الناس يعملون ما يعملون بلا نيّة، ولو استحضروا نيّة لكان كل عمل لهم عبادة؛ يأكلون ويكون أكلهم عبادة، وينامون ويكون نومهم عبادة، ويجتمع أحدهم بأهله ويكون هذا الاجتماع عبادة ... تَبيّن لي أن أكثر الطلاب ما فكّروا بشيء من هذا، بل بلغوا سنّ المدرسة فأدخلوهم إليها، وانتقلوا من صف إلى صف حتى أكملوا الابتدائية، فدخلوا مع مَن دخل في المتوسطة، ثم تدرّجوا فيها درجة درجة سنة بعد سنة، حتى وصلوا إلى الدراسة العالية. فنبّهتُهم إلى النية وأثرها في أعمال الإنسان، وأنها هي التي تجعل المباح الذي لا يُثاب فاعله ولا يُعاقَب عبادةً تستحقّ من الله بكرمه الثواب.
وكان حديث الناس يومئذ في محاولة الصعود إلى القمر، وكان كثير من المشايخ يُنكِرون أنهم صعدوا. فسألني الطلاب، فقلت لهم: نعم، لقد وصلوا إلى القمر. فقام شيخ من ورائي من بين الأساتذة فقال بأن هذا مستحيل لأن القمر في السماء، والبشر لا يمكن أن يصلوا إلى السماء. فحاولت أن أردّ عليه رداً رفيقاً، فأبى واشتدّ في الإباء، فقلت للطلاب: إذا قيل لكم إن ما سمعتم من صعودهم إلى القمر كان كذباً فهل تكذّبونه؟ قالوا: لا، قد صعدوا حقيقة وجاؤوا بحجارة من القمر. فقلت للأستاذ: إذا كنت لا تستطيع أن تقنعهم بأن خبر الوصول إلى القمر خبر كاذب، وكانوا مقتنعين وأنا مقتنع معهم بأنهم وصلوا، وكنتَ تُصِرّ على أن الشرع يمنع الوصول إلى القمر، أفليس في ذلك حمل لهم على تكذيب القرآن أو الشك في الإسلام؟
وقلتُ للطلاّب: إن الإسلام لا يحملكم على إنكار ما ترون