للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قلت: ماذا في دمشق؟ ففي كل ميدان فيها عرسٌ وفي كل حي فرحٌ وفي كل شارع مهرجان. ما هذه الزحمة وما هذه الوفود؟ الطرقات كلها مُترَعات بالناس ما فيها موطئ قدم، وحيثما سرتَ رأيت قباباً من الزهر وستائر من الحرير، وعلى دمشق سماء من صغار الأعلام، ومصابيح الكهرباء قد انتظمتها حبال طويلة فدارت بها ثم انعقدت على أشكال العقود والتيجان، فكانت منظراً عجباً إذا رأيتها في الليل «حسبتَ سماءً رُكِّبَتْ فيها» (١) فسطعَت كواكبها ولألأت نجومها، وإذا أبصرتَها في النهار ظننت الربيع قد عاد مرة ثانية، فكان في كل شارع روضة فتّانة وفي كل بناء عريشة ورد وفل وياسمين، وأغلى الطنافس مبسوطات على الجدران وأحلى الصور معلَّقات على الطنافس، والسيوف المذهَّبة والتحف الغالية، ما يضنّ الناس بقيّم ولا يبخلون بشيء.

(إلى أن قلت): لقد أُوقدَ الليلة في دمشق خمسمئة ألف مصباح ونُشر فيها ألفُ ألف علَم عُدّت عداً، ورُفع فيها مئة قبّة من النور يعدو تحت إحداها الفارس من سعتها، ووُضع في أرجائها مئة مذيع مكبّر، يخرج منه النداء والهتاف والخطاب فيُسمَع في أقصى الغوطة ويردّد صداه الصخرُ من قاسيون، ومشَت فيها خمسة آلاف عَراضة (٢) وموكب، وأقيمت ألف دَبْكة (٣).


(١) هذا الشطر للبحتري من قصيدته في وصف البِركة.
(٢) في هذا الموضع في كتاب «دمشق» حاشية قال جدّي فيها: والعَراضة موكب شعبي يتقدمه قَوّال يقول فيردد الناس مقالَه (مجاهد).
(٣) وهنا أيضاً وضع حاشية قال فيها: الدَّبْكة رقص قروي له أغانٍ خاصة، وأبرعُ الناس فيه أهل لبنان (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>