للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمّا كثرت الطالبات في كلية التربية في مكة، ولم يكن هذا الرائي (التلفزيون) الداخلي الذي تُلقى منه اليوم الدروس على البنات فيسمعنَها ويرين المدرس ولا يراهن، كُلّفتُ بتدريس الطالبات في مسكنهن في الحفائر، وكانت المشرفة عليهن يومئذ الأستاذة السيدة إصلاح. فوجدت الطالبات مستعدّات، وكُنّ بالحجاب السابغ ومنهن من يُبدين الوجوه فقط، فألقيت عليهنّ الدرس كما ألقيه على الطلاب، أشرح لهنّ كما أشرح لهم وأجيب على أسئلتهنّ كما أجيب على أسئلتهم.

ومرّ العام بسلام، فلما كانت السنة التي بعدها كثر الكاشفات عن الوجوه، ثم أخذ بعضهن يرتفعن بالخمار قليلاً حتى يكشف عن بعض الشعر، فقلت: لا؛ إني في السنّ كالجدّ لأكبركن ولكني لا أعدو أن أكون رجلاً أجنبياً، وإن جاز كشف الوجه من غير فتنة بالمرأة ولا فتنة عليها ولا خلوة للأجنبي بها، فلا يجوز تجاوزه إلى الشعر ولا إلى العنق ولا تجاوز الكفّين إلى الذراع، والستر مع ذلك كله أولى وأفضل.

ولقد عرفت نساء بلدي وأنا صغير بالملاءة، حتى النصرانيات واليهوديات في الشام لا يخرجهن بغيرها، وكل ما يصنعن أنهن يسفرن عن وجوههن فتُعرف بذلك النصرانية من المسلمة. فما زلنَ بالملاءة حتى جعلنها قسمين، ثم استبدلنَ بالقسم الأعلى خماراً ساتراً حول الرأس ويغطّي المنكبين، ثم صغّرنَ الخمار وجعلنَ ينقصنَ من أطرافه وحواشيه، ويقصّرنَ الإزار ويضيّقنَه، وكذلك جعل الثوب يقصر إصبعاً إصبعاً والرأس ينكشف شعرة شعرة، حتى انكشف الشعر كله والعنق وأعلى الصدر والساعد

<<  <  ج: ص:  >  >>