معاً لأيام رمضان الثلاثين، وتسجيلها كلها في يومين أو ثلاثة. وإن تقاعست أو تردّدت سلّطوا عليّ مخرج البرنامج، ولدي عبدالله رَوّاس، فطوّقني وسدّ عليّ السبل بأدبه ولطفه، وأعانه ابن أخ له كاتب أديب وإذاعي ناجح، هو عصام الروّاس. لا ينفع معهما اعتذار ولا يمكن منهما الفرار! فلا أفرغ من تسجيلها حتى أشعر كأني خارج من معركة، أو كأن عربة صغيرة مرّت عجلاتُها على جسدي فحطّمت أضلاعي.
لذلك قررت وأعلنت أني إن مدّ الله في الأجل فلن أعود إليها في رمضان المقبل، ولو جاء مع الرواس وابن أخيه كل أصحاب الرؤوس جميعاً (١).
وأنا في هذا البلاء من أكثر من خمسين سنة؛ كنت أكتب في الجرائد، وتُرجم بعض ما أكتب وصدر في كتاب بالفارسية بقلم أديب بليغ اسمه أحمد آرام، وعنوان الكتاب «كفتار رمضان». ثم صرت أُذيع من إذاعة دمشق، ثم جاءنا هذا الرائي من نحو ثلاثين سنة فكان أشدّ علينا وأقسى، لأني كنت متوارياً لا أُرى، وربما قرأت من ورقة أو رجعت إلى مذكّرة، فصرت الآن كالذي يخرج إلى الشارع بلا ثياب، إن تحركت حركة أو سرقت من ورقة نظرة رأوها مني وسجّلوها عليّ!
ولقد أبصرت مرة في السينما من قديم في «جريدة الأخبار»، قبل أن يكون هذا الرائي، مناظر لامتحانات التلاميذ، فرأيت
(١) قلت هذا سنة ١٤٠٧، فلما جاء رمضان سنة ١٤٠٨ حملوني على المجيء فجئت معهم.