مُذاعة قلت: ياأسفاه! ليتني قلت كذا، ليتني لم أقُل كذا، ليتني وسّعت ما ضيّقت وفصّلت ما أجملت!
وأخرى لا أقول إنها مصيبة، فليست مصائب حقيقية أجارنا الله من المصائب، هي أنني تعودت من سنين طوال أن لا أكتب أحاديثي ولا محاضراتي. وأنا كجميع من أدمن قراءة كتب الأدب العربي القديمة، لا سيما كتب الجاحظ، مُولَع بالاستطراد، ولعلّ من أسباب ذلك أنني أجد في ذهني بحمد الله الكثير وأنني أحب أن أقدّم للقارئ كل ما أجد في ذهني، فتجرّني المسألة إلى مسألة تشبهها أو تتصل بها، فلا أزال أبتعد عن الطريق الذي كنت أمشي فيه حتى أنتهي من هذه الأفكار العارضة، فأقف وأريد أن أعود إلى الموضوع الأصلي، إلى الجادة التي كنت أمشي فيها فلا أدري من أين خرجت عنها ولا كيف أعود إليها، فأقف كما وقف حمار الشيخ في العقبة، وأنظر فاتح الفم كالأبله أرقب النجدة ولا من منجد. وقد وقع لي ذلك مرات في أحاديث رمضان هذه السنة (على مائدة الإفطار)، وقد وقع لي قبل ذلك مرات.
كانوا يدعونني إلى المواسم الثقافية التي تُقام في الأردن، ولا سيما على عهد الدكتور إسحاق الفرحان، وهو مِن خير أو هو خير من ولي الوزارة من الإسلاميين، فيدورون بي على البلاد. وقد كنت مرة في جَرَش في حشد عظيم في رحبة واسعة صُفَّت فيها الكراسيّ واجتمع فيها الآلاف، فوقفت مثل هذه الوقفة، فقلت للناس: ماذا كنت أقول؟ أسألهم العون حتى أعود إليه، فما ردّ عليّ أحد، فقلت لهم: السلام عليكم. وأدرت ظهري لأنزل من فوق المنبر، فصاحوا من جوانب المكان يطلبون أن أعود،