للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكَلِم عن مواضعها وأزالها عن منازلها، ولم يدع لغوياً ولا نحوياً ولا عالِماً بالعربية من لَدُن أبي عمرو بأول الدهر إلى الأشموني في آخره، إلاّ نبش قبره وبعثر عظمه وشتم -بجهله- أباه وأمه! أمّا الطلاب الحاضرون فكان منهم من يتنبّه للّحنة الظاهرة فيردّه عنها ويغفل عن الخفيّة، وسائرهم (أي باقيهم) يغفل عن ظاهرها وخفيّها. فضاق صدري حتى خفت أن يتفجّر بغَضْبَة للعربية لا أدري ما عاقبتها، فحملت نعلَيّ وخرجت هارباً أسعى.

وذهبت فسألت إخواني من المدرّسين، فعلمت أن هذا القارئ ليس بدعاً في الطلاب وليس المتفرّد في هذه العبقرية في الجهل وهذا النبوغ فيه، وإنما هي النموذج الصادق لأكثر طلاب المدارس في مثل هذه الأيام. واجتمعتُ بعد ذلك بكثير من طلاب المدارس العالية، فما كدت أجد في أكثرهم من يشبه أو يداني أصحابَنا يوم كنا في أوائل الدراسة الثانوية. لا أقول هذا فخراً بأصحابنا، ولكن تَذْكِرة لهؤلاء وحثّاً لهم على الجِدّ في طلب العلم وبياناً لِما هبطوا إليه وما رضوه لأنفسهم من ترك العلم اعتماداً على شهادات ينالونها، أي كراسيّ في المستقبل يركبونها أو وظائف (أي رواتب) يقبضونها، حتى صارت الشكوى من الضعف في العربية عامة في مصر والشام والعراق وكل بلد عربي، وحتى صار من أبواب التسلية للأدباء أن يفكّروا في تيسير تعلُّم العربية بقلب قواعدها وتنكيس أوضاعها وابتداع البِدَع في نحوها وصرفها، أو بهدم بنيانها وصرم نظامها بتسكين أواخر كلماتها وترك إعرابها، أو بنسفها من أساسها وقلعها من جذورها واستعمال الحروف اللاتينية أولاً والكلمات العامية ثانياً، وما

<<  <  ج: ص:  >  >>