للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يعرفه إلاّ الله ثالثاً ورابعاً. وما إلى شيء من ذلك حاجة ولا له فائدة، وما باللّغة تعسير حتى نبتغي لها أوجه التيسير (١)، ولكنْ في العزائم خَوَر وفي الهمم ضعف وفي الشباب انصراف عن العلم.

هذه هي الحقيقة، وإلاّ فهل صَلُحَت العربية برسمها، أي بكتابتها وخطّها وعلومها، هذه القرون الأربعة عشر، وصبرَت على حكم التُّرك أولاً، ثم الفرس، ثم المغول، ثم الأتراك أخيراً، ورأت عصور الانحطاط وعهود التخلّف، وكانت في كل ذلك طاهرة ظاهرة، حتى لم يخلُ عصرٌ من مؤلّفين في النحو والصرف والبلاغة والأدب، وحتى أُلِّف «القاموس» أشهر معاجمنا في عهد العثمانيين وأُلّف شرحه الجليل بعد الألف للهجرة (٢)، وحتى كان الطلبة في الدهور كلها عاكفين على النحو والصرف والبلاغة، إن لم ينالوا ثمرتها فقد حفظوا قواعدها، وإن لم يحصّلوا سليقة العرب فقد أحاطوا بعلوم الأدب ... هل صَلُحَت العربية في هذه القرون وبدا الآن فسادها؟ وهل استسهلها الفرس والروم والأتراك والهنود المسلمون (والإسلام لا يفضّل عربياً في ذاته على غير العربي، ولكن الكلام في اللغة) هل استسهلها هؤلاء كلهم حتى ظهر منهم علماء أجلاّء فيها، ولم تصعب إلاّ على أبناء العرب


(١) على أن جدي (رحمه الله) دعا من قديم، من قبل هذه المقالة باثنتي عشرة سنة، إلى إصلاح النحو وتيسيره ونَعَى عليه تعقيدَه واضطرابه وبُعدَه عن الغاية. انظر مقالة «آفةُ اللغة هذا النحو» في كتاب «فِكَر ومباحث»، وقد نُشرت سنة ١٩٣٥ (مجاهد).
(٢) «تاج العروس» للزَّبيدي المُتوفّى سنة ١٢٠٥هـ، واقرأ قصته في مقالة «شارح القاموس»، وهي في كتاب «رجال من التاريخ» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>