للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد كتبت من القديم، من عشرات السنين، أقترح أن نبدأ بتدريس الأدب من عصرنا الذي نعيش فيه ثم نعود إلى ما مضى، فيكون آخر ما يقرؤه الطلاب ويكلَّفون بحفظه المعلقات وشعر الجاهلية، لا أن نبدأ بها على بُعد موضوعاتها عنا وعلوّ أسلوبها عن أفهامنا. إلاّ القرآن فإنه لكل زمان.

ونستطيع أن نختار من أدب العصر الكثيرَ الجيّد. ولقد كنت كتبت من أكثر من ثلث قرن مقالة عنوانها «ماذا يُراد بالأزهر؟» (١) أردّ بها على الدكتور طه حسين لمّا اقترح (أو كاد) إلغاء الأزهر، وكان فيما قلت عنه أن أسلوبه فيه كثير من التكرار المملّ. ثم قرأت له كتاباً سمّاه ناشره «مذكّرات طه حسين»، ولعلّه تتمّة الجزء الأول من كتاب «الأيام»، فوجدت فيه -أشهد بالحق- أسلوباً بلغ الغاية في القوة، وأجمل ما فيه الجملة القرآنية فهو يُكثِر منها. فلو أردت أن أرشد الطلاب إلى كتاب من كتبه لأرشدتهم إلى هذا الكتاب ونبّهتهم إلى ما فيه ممّا لا يُسيغه القارئ المسلم. وإلى بعض ما كتب البِشْري والزيّات والرافعي والعقّاد والمازني وزكي مبارك، ولكل من هؤلاء أسلوب ولا تخرج هذه الأساليب كلها عن حدّ الجودة. ولعلّ من أنفعها للطلاب كتاب «فيض الخاطر» لأحمد أمين، وإذا لم يكن لهم بُدّ من أن يحذوا حذْوَ كاتب من الكتّاب فليأخذوا أحمد أمين، لأنه يعمد إلى مشهد من مشاهد الحياة رآه أو فكرة من الأفكار قرأها أو سمعها، فيذكر ما يتصل بها وما يتفرع عنها، ويمشي يميناً وشمالاً ثم يعود إلى الطريق


(١) هي في كتابي «فصول إسلامية».

<<  <  ج: ص:  >  >>