للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفهذا وأمثاله ما تريدون أن تربّوا به البلاغة في نفوس أبنائكم وتضعوا الفصاحة على أسلات أقلامهم وأطراف ألسنتهم؟ على أنني لم أكن أرتضي كل ما كان في كتب المحفوظات قديماً، ولا أحبّذ أن يُختار للطلاب مما كتب أمثال الصاحب ولا ابن العميد ولا القاضي الفاضل ولا تلك الخطب وهاتيك الرسائل، بل أريد أن نختار لهم الأدب السهل الممتنع البليغ السائغ، الذي يصلح لهذا العصر كما صلح للعصور التي مرّت من قبل؛ من مثل: قصة الإفك التي روتها بلسانها أم المؤمنين عائشة، وقصة كعببن مالك لمّا تخلّف عن غزوة تبوك، وقصة عمر لمّا جاء شريكه يخبره بما شاع في المدينة من أن الرسول عليه الصلاة والسلام طلّق نساءه، وأمثال ذلك من النصوص التي نجدها في السيرة وتاريخ الطبري وفي الأغاني، وفي توقيعات الخلفاء والأمراء.

وخير من ذلك أن نختار لهم الأحاديث الطويلة التي رُويَت باللفظ لا بالمعنى، وأفضل منها آيات القرآن. نبدأ بالسور القِصار نعلّمها للصغار، لا ليفهموها بل ليقرؤوا بها في صلاتهم، فلا يستطيع الصغار أن يفهموها لأن «جزء عمَّ» يصعب فهمه واستيعاب معانيه ومراميه. ولكن نختار لهم من كتاب الله أمثال قصة نوح وابنه، وإبراهيم وأبيه، وموسى وفرعون والسحرة، وقصة موسى وبنتَي شُعَيب، وقصة موسى والعبد الصالح (الخضر)، وقصة ذي القرنين، وفي القرآن من أمثال هذا كثير جداً يستطيع أن يفهمه التلاميذ بأيسر شرح وأن يحفظوه، وأن يكون ذخراً لهم في البلاغة. وهل أبلغ من كلام ربّ العالَمين؟

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>