للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكاتب المصري، ومن قبلهما السياسة الأسبوعية، وقبل ذلك كانت الهلال والمقتطَف والزهراء والمنار، وكان في ذلك كله مقالات، لا أنظر إليها الآن بنظرة الدين فأبيّن معروفها من منكَرها ولا صالحها من فاسدها (على معرفتي بالتفريق بين النوعين) ولكن كلامي من جهة البلاغة أقيس بمقياس الأدب، فكان الطلاب يجدون في هذه المجلات مقالات بليغة تصلح أن يحذوا حذوها وأن ينسجوا على منوالها وأن يقتدوا بأصحابها، في التعبير لا في التفكير.

وكانوا يختارون للطلاب في كتب المحفوظات روائع الشعر والنثر مما يجمع القول البليغ من الأدب المصفّى، يتخيّرونه لهم من الشعر ومن النثر، ليبقى لهم زاداً في البيان يحملونه ليتزودوا به طول العمر. فهبطنا حتى جاءتني مرة في الشام -من أكثر من خمس وعشرين سنة- حفيدة لي بكتاب المحفوظات الذي فرضته وزارة المعارف عليها لأشرح لها بعض ما فيه، فإذا فيه شيء قال الكتاب إنه قصيدة شعر، فما قرأته حتى غثَت منه نفسي واختلّ مزاجي، وانقلب وجهي حتى أصاب البنتَ الرعبُ مني، وبدا لها كأني أكلت ليمونة بقشرها وشربت بعدها كوباً من زيت الخَرْوَع. على أن ذلك -لو أُكرهتُ عليه- أهون من قراءة هذا الذي سمّوه قصيدة شعر!

أهون من قراءته فضلاً عن فهمه وشرحه وبيان مقاصد قائله، وما له معنى يُفهَم وما لقائله مقصد يُدرَك؛ إن هو إلاّ رجل أراد أن يكون شاعراً، وما أرادت له ذلك مواهبه ولا محفوظاته من الشعر الجيّد، ولم يستطع أن يصعد إلى حيث الشعر في شرفات القصر فجرّب أن ينزل بالشعر إلى حيث يقف هو في قعر البئر.

<<  <  ج: ص:  >  >>