للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخرج برامجي في الرائي أو الإذاعة يُخبِرني أن يوم التسجيل قد أُجِّل أو خُبِّرت أن المحاضرة التي حُدّدت ساعة إلقائها قد أُلغيَت أو أن المقالة التي كُلِّفت بها قد صُرف النظر عنها. صِرتُ أوثر الكسل وأكره العمل وأؤخره إن لم أجد منه مهرباً إلى اللحظات الأخيرة، فلا أكتب المقالة ولا أُعِدّ الحديث ولا أهيّئ المحاضرة إلاّ حين لا يبقى بيني وبين إلقائها إلاّ وقت إعدادها.

وإني لأعجب أن أجد الآن فيما أقرأ من المقالات أو أستمع في الندوات مَن يحنّ إلى عهد الفَلَق ويبكي عليه ويتمنى أن يعوّد أولاده عليه! وأعجب منهم الذين يَدْعون إلى إرجاع الكتاتيب ويُثنون عليها ويحمدون أيامها. ولقد كان في حيّنا في دمشق، حي العُقَيْبة أمام جامع التوبة، مدرسة أثرية هي المدرسة الآجرّية (التي صارت الآن مكتبة عامة) كان فيها كُتّاب أخذني جدي إليه وأنا ابن خمس سنين، وكان الكتّاب مغلق الباب مسدود النوافذ، ولم يكن فيه مقاعد، وكان الأولاد يجلسون على الأرض في صفوف تتراصّ حيناً وتنفسح حيناً، تبعاً لحالة السوق وكثرة الأولاد. إلاّ أن المعروف عن الكُتّاب أنه كجهنم لا يردّ آتياً، وأن الشيخ مستعدّ أبداً لحشوه بالتلاميذ وواثق أنه لن ينفجر من قلّة الهواء وكثرة التنفس وانعدام النوافذ.

وكان الصبيان يخلعون أحذيتهم (وأنا أقول «أحذيتهم» على المجاز، وإلاّ فهي القباقيب غالباً) يخلعونها عند الباب ثم يدخلون فيقبّلون يد الشيخ، أو يضعونها أمامهم بجانب اللوح والصبرة (أي كتاب الهجاء والغَداء) ويجلسون جلسة واحدة إلى المساء، لا يقومون إلاّ للشرب من البِركة القريبة من الكُتّاب ذات

<<  <  ج: ص:  >  >>