للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعلّمون الطلاب التجسّس على إخوانهم! وكانت عمدة التربية بالفلق (الفلق الذي يسمّيه العامة الفلقة أو الفلكة)، وكان الآباء يعاونون المعلّمين على هذا فيقولون لمدير المدرسة حين يسلّمونه أولادهم: لك اللحم ولنا العظم!

كان الضرب بالعصا ووضع الأقدام في الفلق هو عماد التربية، ولقد رأيت بعيني مشاهد أخشى إن رويتُها أن لا تصدّقوها، ولعلّي أشرت فيما مضى من هذه الذكريات إلى بعض منها، هي أن مدير مدرسة كان عنده تلميذ جاء أبوه يطلب أن يأخذه معه قبل أن تنتهي الدروس، وكان الأب من قبل تلميذاً عند الشيخ (١)، فأبى أن يسمح له بإخراجه، فجادله الأب، فأمر الشيخ شابّين قويَّين أن يمسكا الأب ويضعا قدميه في الفلق وضربه أمام الولد وأمام التلاميذ! ومما رأيت أن مديراً آخر (٢) أراد أن يدرّب الطلاب الكبار في مدرسته على تعليم الأطفال الصغار، ومرّ عليهم يرى تدريسهم فأبصر من أحدهم خطأ فضربه أمام التلاميذ الذين يعلّمهم!

ولقد كان من أثر هذه التربية وأثر الكُتّاب الذي قضيتُ فيه قبلها يوماً واحداً أو بعض يوم أن أورثَتني كرهاً دائماً للمدرسة وبغضاً لا يزول لها من نفسي، حتى إنني لأفرح يوم العطلة كما أفرح إن غاب المدرّس أو شُغل عن الدرس، وبقي ذلك بعدما صرت معلّماً ابتدائياً ثم صرت مدرساً ثانوياً ثم صرت أستاذاً جامعياً. بل إنني لأفرح الآن إذا هتف بي (أي كلّمني بالهاتف)


(١) هو الشيخ شريف الخطيب مدير المدرسة الأمينية، وهو ابن خالتي.
(٢) هو الشيخ محمود العقاد تلميذ أبي وأستاذي.

<<  <  ج: ص:  >  >>