مدرسته، ورأيت في السجلاّت أنه كان من تلاميذه الولد وأبوه وجدّه، ثلاثة بطون تعاقبت على الدراسة في مدرسته والتلقّي عنه! وكان معلّماً قديراً وكان خطّاطاً وكان مربّياً عظيماً، وهو من الذين تركوا في نفسي أعمق الأثر، هو الشيخ عيد السّفَرْجلاني الذي كتبتُ عنه كثيراً وتحدّثت عنه كثيراً ولم أوفِه من حقّه إلاّ قليلاً. لم يكن يجمعنا ليُلقي الموعظة علينا يبدؤها كما تبدأ خطبة الجمعة بالحمد لله والصلاة على النبي ‘، وإن كان ذلك من السنّة لا نكران له ولا اعتراض عليه، ولكنه كان يراعي حالة الطلاب فيُلقي الكلمة علينا حين تجيء مناسبتها، يلقيها جاداً وهازلاً ومبتسماً وعابساً، وقد تأتي معها كلمة تأنيب أو شتيمة تنبّه لا تؤذي. وهي سنّة رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما قال لمعاذ:«ثكلَتك أمك»، أي «عدمتك»، وما أراد الدعاء عليه، ولو دعا عليه لاستجاب الله دعاءه في الحال. وكما قال:«عليك بذات الدين تَرِبَت يداك»، أي صرتَ على التراب، كما نقول نحن اليوم:"أفلس فلان حتى صار على الحديدة" وكما تقول العرب: "أرمل القوم" أي صاروا على الرمل، وفي القرآن {يَتيمَاً ذا مَتْرَبة}. وقد وجدتُ بالتجرِبة الطويلة أن هذا الأسلوب في الوعظ هو الذي يبقى وهو الذي يُفيد.
كان القائمون على هذه المدارس شيوخاً صالحين يخافون الله ويحرصون على تنشئة الأولاد على خوف الله، ولكن أسلوبهم في التربية ونظامهم في التعليم أسوأ أسلوب يخطر على البال وأبشع نظام؛ كانوا يراقبون التلميذ في المدرسة، ويبعثون من رفاقه من يراقبه في الطريق فيرفع عنه التقارير السرّية إلى المدير.