ثم درنا من حول درابزين حديقة الأزبكية، حيت تُباع الكتب القديمة كما تُباع على نهر السين في باريس (١)، وكانت الأزبكية نظيفة مخدومة. وسلكنا شارع فؤاد، ورأينا على جانبَيه كلّ بضاعة يُحتاج إليها أو يُرغب فيها معروضة عرضاً يُغري المستغني عنها بطلبها.
إلى أن وصلنا إلى الجسر (ويسمّونه هناك باسمه التركي: الكوبري) وهو من الحديد مسقوف بعمد الحديد، فجزناه من فوق النيل الكبير إلى الزمالك حيث تقوم بقصورها غير بعيدة عن بولاق بأكواخها، إلى النيل الصغير، على جسر كانوا يسمونه «كوبري بديعة»، نسبة إلى رقّاصة من شتورا في سهل البقاع بين لبنان الشرقي والغربي، جاءت مصر فأعطتهم مرقصاً أقامته كان مفسدة للشبّان لما يُستباح فيه من المحرّمات، وكان مدرسة من مدارس إبليس لتخريج الراقصات، وأخذت منهم مالاً كثيراً واسماً جعلوه مشهوراً.
وعدنا يمشي بنا «الترام» إلى جنب النيل وهو عن شمائلنا، وما على أيماننا (كما أذكر) بناء ولا عمران إنما هي حدائق أو بسائط من الأرض، حتى بلغنا أجمل وأعجب مكان في مصر يومئذٍ وأحبه إلى السائحين والزائرين: حديقة الحيوان، لمّا كانت في عزّها وكانت رابعة حدائق الحيوان في العالَم في سعتها وبهائها وكثرة ما فيها من الحيوانات، وكان يمضي المرءُ يومَه كله فيها فلا
(١) رأيتها كذلك لمّا زرت مصر من ست عشرة سنة. ثم إنهم أنشؤوا لباعة الكتب دكاكين صغيرة في وسط الحديقة في ركن منها، فلم تعد الكتب تباع على السور اليوم كما كانت من قديم (مجاهد).