مصر الجديدة في سنة ١٩٢٨ منفصلة عن القاهرة، وشبرا كانت مثلها.
ولو تُرك الأمر إلى خالي لما رأيت من مصر شيئاً، لأنه ما كان يخرج من مطبعته إلاّ إلى جمعية الشبان المسلمين التي سيأتي قريباً حديثها. ولكن شريكه، صهري الجديد وزوج أختي، هو الذي أراني ملامح القاهرة. أخذني إلى النيل ففهمت لماذا يدعوه المصريون «بحر النيل»، ما رأيت قبله مثله، وهل رأيت قبله إلاّ بردى؟ وكان بردى وأولاده جميعاً (يزيد وتورا والقنوات وباناس والقناة والديراني)، كانت كلها أصغر من ترعة واحدة من ترع النيل. ولكن لا أحب أن أظلم بردى، إنه فقير ولكنه جواد كريم، إنه يخرج من أرضنا نبعاً، ثم يدخل في أرضنا ليعود فيخرج زرعاً، لا تضيع قطرة منه. وإن قرأتم في كتب الجغرافية أنه يصب في بحيرة «العتيبة» فاعلموا أنه يصل إليها مرة في كل خمسين سنة، إنه يصب في الأرض الطيبة ليخرج الله به الثمر الطيب، على حين يحمل النيل العظيم ماءه الكثير ليرميه في البحر.
ذهبنا إلى العتبة الخضراء، وكانت قلب البلد، وإلى جنبها ميدان الأوبرا. ورأينا (وكانت هنا الدهشة الثالثة) رأينا الأصنام والتماثيل وسط الميادين والساحات! ورأينا متاجر ما عرفنا في دمشق مثلها؛ عمارات كاملة فيها كل شيء مما يؤكل أو يُلبَس أو يُفرش أو يكون زينة وحلية وتحفاً:«أوروزدي باك»(عمر أفندي) وصيدناوي وشيكوريل، وما فيهم مسلم ولا عربي ولا مصري أصيل! وممّا سمعت من العجب أن أوروزدي باك اشترى اسم عمر أفندي، وكانت تلك أوّل مرة أسمع فيها أن اسماً يُباع.