نفاستها ولكن يجهل نوعها، فهو يفكّ شريطها أو يفتح صندوقها تتجاذبه فرحتان: انتظار الشيء النفيس وكشف المجهول الجميل. أو كمن يشتري القصّة البارعة حين يفتح أول صفحة منها.
* * *
ونهضت (كما نهضوا) ضحىً، فأكلنا الفول. وفول مصر صغير لذيذ، وفول الشام كبير. ولهم في إعداده طريقة غير طريقة أهل الشام، أما ثمنه فيكفي أن أقول لكم: إن خالي كان يسلم زوجته كل صباح ريالاً تشتري منه الغداء والعشاء (ولا بدّ فيهما من طبخ ورز ولحم، والفاكهة والأنقال) لثمانية أشخاص، وقد تبقى من الريال بقية.
ونزلت إلى المطبعة في شارع الاستئناف، فخرجت منه إلى ميدان باب الخلق. وكان أكبر من «المرجة»، الميدان الوحيد في دمشق، أبصرت فيه النيابة والمحافظة من هنا، ودار الكتب والمتحف الإسلامي من هناك.
وكانت مصر (أعني القاهرة) كبيرة في تلك الأيام، ليست مدينة ولكنها -في حقيقتها- مدن في مدينة. مدن مشت من حيث مشى التاريخ؛ أولها أوّل التاريخ الإسلامي في مصر، «الفسطاط» التي بناها الصحابي الفاتح عمرو بن العاص، وهي مصر القديمة. ثم امتدّ التاريخ وامتدّت القاهرة فجاء أحمد بن طولون فبنى مدينة «القطائع»، وهي حي السيدة. ثم جاء جوهر قائد المعز العُبَيدي فبنى القاهرة، ثم كانت أيام الحملة الفرنسية فسكنوا عند العتبة والأزبكية. ثم تواصلت هذه المدن وتداخلت. وكانت