تاريخ طويل، فلقد رافقته في دار العلوم بالمنيرة في القاهرة سنة ١٣٤٧هـ، وكنا في مقعد واحد. ثم نسيني ونسيته، وكانت معركة الرافعي والعقاد، فدخلت فيها وما أنا من أقطابها، فكنت مع العريان وشاكر عليه، فشتمني وشتمته. ثم كتب الله له الخير، والله يُعطي من يشاء بغير حساب، فسلك غير طريق النقد وتبرّأ من أكثر ما كان كتب فيه وصار من أركان الدعوة إلى الله، فأحببته من قلبي، وأظن أنه أحبّني، وطالما لقيته بعدُ ولقيَني ونُشرَت لنا صور وجمعتنا مجالس.
ولست أعيد هنا ما كنت قلت في السرقات الأدبية فإن القول فيها لا يزال ذا سعة: عمّن يريد أن يكون كاتباً وهو لا يزال طالباً، ومن يحب أن يغدو عالِماً وهو ما انفكّ متعلّماً، ومن يهوى (والهوى ليس هوى الغيد الحسان فقط، بل إن في الدنيا هوى المجد المبكّر والغنى المستعجَل والجاه الهيّن السريع، وكل هوى يُعمي ويُصِمّ) قلت: إن في الناس من يهوى أن يكون معروفاً قبل الأوان وأن «يتزبَّبَ قبل أن يَتَحَصْرَم» كما تقول العرب؛ وتفسيره أنه يريد أن يكون زبيباً قبل أن ينعقد حصرماً. نرى ذلك كله ونسمع من الإذاعات مثله؛ إننا نسمع من الإذاعة كل إحدى عشرة ساعة نشيداً يُذاع ستّ مرّات على أنه من نظم فلان ومن تلحين فلان، وما فلان الأول إلاّ مقلّد وما الثاني إلاّ سارق، وأصل النشيد لشيخنا الرافعي ومطلعه «بلادي بلادي فداكِ دمي»، وهو الذي يقول فيه بيتاً أنكرتُه عليه ونشرت إنكاري، فما غضب منه بل أقرّه، وهذا البيت هو:
غرامُكِ أوّلُ ما في الفؤادِ ... وذِكرُكِ آخِرُ ما في فمي