للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: كانت الإذاعة من جدة، وكنت يوماً في الرياض أدير مفتاح الرادّ، فسمعت إذاعة غريبة ليست من جدة ولا من مصر، ولم أكن أسمع في الرياض يومئذ غيرهما، إلاّ إذاعة بغداد أسمعها أحياناً. فوجدت هذه الإذاعة الغريبة تذكر أشياء عن المملكة وعن الرياض بالذات، فأصغيت أنتظر أن أسمع في آخرها اسم البلد الذي يخرج منه الصوت، فإذا هو من الرياض، وإذا هو يذكر اسم «طامي». فسألت إخواني: وما طامي هذا؟ وتطوّع واحدٌ منهم فجاء به إليّ فعرّفني به، وإذا هو شابّ سعودي مهذّب لا يبدو عليه أنه من أصحاب الدراسات ولا من حَمَلة الشهادات، وأخذني إلى عمارة عالية في شارع الوزير (وكان يومئذ أحد شوارع قليلة لم يكن في الرياض غيرها) وأدخلني عمارة فصعد بي إلى سطحها، فوجدت غرفتين صغيرتين ما لهما ثالثة، فيهما قطع آلات وأسلاك وأزرار في لوحات فقلت: ما هذا؟

فضحك وقال: هذه إذاعة طامي. إنها قطع اشتريتها من مخلّفات الجيش البريطاني لمّا عرضها للبيع، فرتّبتها وجعلت منها هذه الإذاعة. وسألني أن أحدّث الناس منها، فحدّثت ووصفت ما رأيت. وخبّرني الناس بعد ذلك أنهم سمعوا حديثي، سمعوه في الرياض وعلى بُعد عشرة أكيال (كيلومترات) في كل جهة من جهاتها الأربع.

* * *

أليس هذا هو النبوغ؟ بل أليست هذه هي العبقرية؟ هل كانت بداية أديسون أكبرَ من هذه البداية؟ أم كان أديسون أكثر

<<  <  ج: ص:  >  >>