للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ حسن منصور، وكان بارعاً في التفسير وكان مهيباً يخشاه الطلاب، وأننا كنا نتغدى الظهر في المدرسة ثم نخرج.

وممّا أذكره أنهم أرادوا أن يؤلفوا فرقة للتمثيل فجاؤونا بشابّ له اسم غريب لا أزال أحفظه هو فتوح نشاطي، أعدّ عبارات جعل يختبر بها الطلاب ليرى مَن يحسن منهم الإلقاء ومن يصلح منهم للتمثيل، فلما وصل الدور إليّ دهش ودُهش الطلاب جميعاً، والتفتوا إليّ بعد أن كانوا لا يحسّون بوجودي، وصرت المقدَّم عنده وعندهم، وصار هذا «الجدع الشامي» (١) مضرب المثل في إجادة الإلقاء والمقدرة على التمثيل، ولم يعلموا أني كنت «أستاذاً» في دمشق لهذا الفن قبل أن أكون «طالباً» مبتدئاً فيه في مصر.

ما أعجب الإنسان، وما أعجب حياة الإنسان! لقد سألوني عشرين مرة في درس الإنشاء: ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ فكتبت: أريد أن أكون طبيباً، وأن أكون محامياً، وأن أكون وأن أكون، فما كان شيء ممّا أردت أن أكونه ولكن كان ما أراد الله أن أكون.

لا، لا أقول مقالة الجاهلين «أن الإنسان مسيَّر». إنه ليس مسيَّراً بل هو مخيَّر، لم يُجبِر الله كافراً على الكفر ولا عاصياً على العصيان، بل أعطاه العقل الذي يفكّر والإرادة التي تقرّر والأعضاء التي تُنفّذ، وفتح أمامه الطريقَين وقال: هذا طريق الجنة


(١) وأصل الكلمة جذع، وهي فصيحة:
يا ليتَني فيها جذَعْ ... أخِبّ فِيها وأضَعْ

<<  <  ج: ص:  >  >>