للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول معه «آه»، يقتلعها من أعماق فؤاده. وإن نادى «يا ليل يا ليل» أصغى إليه الليل وتوقّف يستمع فما يسير، وتأخّر الفجر واستمهل حتى يفرغ من نداء الليل.

كان كل ما أرى وكل ما أسمع يجعلني أكتب؛ أقوم من منامي وأكتب، وأقف على جانب الرصيف لأكتب، ولطالما كتبت المقالات والقصص على حواشي الجرائد وعلى كيس البقّال! لقد قرأت مرة ما كتبه الأستاذ محمد نمر الخطيب عن «بنات العرب في إسرائيل» وأنا على قوس المحكمة بعدما فرغت من المحاكمات، فكتبتها على كل قطعة ورق تحت يدي، لم أنتظر حتى أنزل عن القوس إلى غرفتي، ولم أنزل حتى كتبت القصة كلها في جلسة واحدة (١).

لذلك بلغ المطبوع ممّا كتبت إلى الآن أكثرَ من أحد عشر ألف صفحة، وما ضاع منه كثير. فلماذا لم تَلقَني يا أستاذ زهير في تلك الأيام؟ يا أسفي على تلك الأيام! لماذا لم تأتِني وقلبي شابّ، وذهني حادّ، وذاكرتي قوية، وهمّتي لا يقف أمامها شيء؟ لماذا؟

آلآن يا أستاذ، آلآن؟ بعدما جفّ القلم، وطُويَت الصحف، ونُسيت الوقائع، وخمدت نار الحماسة، وسكنتُ إلى عزلتي ...


(١) القصة في كتاب «قصص من الحياة»، وفي أولها: "هذه قصة واقعية قرأتها ملخَّصة في سطور في كتاب «من أثر النكبة» للأستاذ نمر الخطيب". وهي قصة موجعة مؤثّرة، لو قرأها امرؤٌ بقيت في عروقه بقية من دماء لما تمالك نفسه من البكاء (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>