خلال اشتغالي في جريدة الأيام (١٩٣١ - ١٩٣٢) كانت انتخابات ٢٠/ ١٢/١٩٣١. وقد عرفَت دمشق قبلها ثلاثة انتخابات أو أربعة، ولكن بعضها لم أدركه وبعضها أدركتُه ولكن ما شاركت فيه، وهذه أول انتخابات أخوض غمارها وأصلى نارها. وأنا هنا أدوّن ما بقي لديّ من ذكريات، لا أسجّل تاريخاً، ولكن حديث هذه الانتخابات لا يُفهَم إلا بعرضٍ تاريخي سريع؛ «فلِم» قصير فيه الرمز والإشارة، ليس فيه الشرح ولا التفصيل.
إن بين أوراقي مقالات كثيرة نُشرت في سنين متعاقبة في ذكرى «٨ آذار»، وسوريا الرسمية تحتفل اليوم بيوم ٨ آذار (١)، ولكن الحادثة التي كنا نحتفل بذكراها غير التي يُحتفَل بها اليوم، ففي يوم ٨ آذار سنة ١٩٢٠ أعلن استقلالَ سوريا المؤتمرُ السوري الذي مُثّلت فيه سوريا كلها بحدودها الطبيعية، أي بلاد الشام كما كانت تُعرف في سوالف الأيام، وكان فيه مندوبون عن لبنان وفلسطين والأردن، وكان رئيسه السيد محمد رشيد رضا صاحب «المنار».
وقد قلت لكم إني كنت ممّن دُعي إليه ولكن من تحت، وقد حضرته ولكن من «برّا»؛ ذلك أن المدعوّين كانوا فريقَين، فريق كانوا فوق، في «السراي»(أي في قصر الحكومة الذي انعقد فيه المؤتمر)، وكانوا قاعدين مستريحين يتكلمون ويقرّرون ويشربون الحارّ والبارد، وفريق كانوا تحت: في الشارع، مصفوفين أمام السراي ظهورهم إلى بردى، وكانوا واقفين على أقدامهم طول
(١) آذار هو مارس، وهو اسمه المتعارَف عليه في الشام والعراق، ووردَت فيه الأشعار وجاء في الآثار.