للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على وجهها ذروراً (بودرة) أو تعمد إلى زينة، لا في هذه السنوات السبع العجاف ولا في أعوام الرخاء التي كانت قبلها. وكانت زينة النساء بالكحل، كحل الإثْمِد بالميل المعروف، وشيء من الذرور، وربما وضعَت الواحدة على خدّيها شيئاً من الأحمر، ولا يضع ذلك إلا القليل، ولا يعرفن كيف يضعنه فكانت المرأة تطبع على خدّها دائرة حمراء. أما صبغ الشفاه والأظافر فما كان يعرفه مَن حولَنا من النساء. والغريب أن الحواجب كانت تُعرّض وتُسوّد بما يسمّى «الخطوط»، فصار النساء اليوم ينتفنها ويُذْهِبْنها إلاّ خطاً دقيقاً لا يُرى إلاّ بالمجهر.

كان للنساء شاغل عن الخروج من سَلْق القمح وطَحْنه «برغلاً» وعجن العجين وتقريصه أقراصاً. وقد كانت في مكّة عادة ما سمعت بمثلها في غيرها من البلدان، هي أن المرأة تضع هذه الأقراص أمام باب الدار فكلّ من رآها من المارّة حملها إلى الفرن! وكانت المرأة تجفّف «الخُضَر» وتحفظها للشتاء، وتصنع «المَكْدوس» (وهو باذنجان يُحشى جَوزاً وثوماً ما أكلته في عمري كله إلاّ مرّة) وأنواع المخلَّلات والفواكه المعقودة بالسكّر (١)، وتغسل ثيابها بيديها. ما كنا ندري ما الثلاّجات ولا الغسّالات ولا الجلاّيات، كل هذا لم نسمع به ولم نعلم بوجوده، فضلاً عن أن نتخذه في بيوتنا، بل إنها لم تكُن عندنا مياه جارية في الحنفيات ولا مدافئ في الشتاء، ما عند أكثر الناس إلا «المَنقل»


(١) أي المربَّيات. وفي الشام يسمّون المربّى «المَعقود»، ويلفظها العامة بعين مشدَّدة بغير قاف (مَعّود) (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>