قاضياً وشاعراً أديباً، وكان عبد الغني أول من حمل الدكتوراه في الرياضيات في سوريا، أرسلوه إلى باريس ليُعدّ لها فأقام سنتين، فقامت الحرب سنة ١٩٣٩ فخفت فأقنعته ألاّ يعود إليها، لذلك تأخر نيله الدكتوراه إلى ما بعد الحرب، وكان في باريس مثلاً مضروباً للطالب المسلم وفي التدريس نموذجاً للمدرّس المبدع. وظلاّ ذاكرَين ما قدمتُه إليهما شاكرَين عليه أكثر ممّا أستحق من الشكر. وفي الناس الذاكر والناكر، ومَن يحفظ الجميل ومن يجحد المعروف، ومن يصل ما أمر الله به أن يوصل ومن يقطعه ... هذه سُنّة الله في خلقه، ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم واختلاف أخلاقكم وطباعكم، ولَرُبّ شقيقَين يكونان مختلفَين، ولَرُبّما وُجد النكران حيث يقدر أن يوجد العرفان، ولئن ضاع جهدي وتعبي عند بعض الناس فأرجو ألاّ يضيع عند الله.
* * *
عاشت أمي بعد أبي سبع سنوات، ما استمتعَت فيها يوماً بمتعة ولا وجدَت تسلية ولا راحة. كانت تعيش لأولادها، تدبّر أمر البيت وتدبّر النفقات وتخيط هي الثياب. وكنّا نذهب إلى المدرسة أحياناً بما تخيطه الأمهات، وأول مرة لبست فيها بذلة خاطها خياط كنت فيها في السنة الثانوية الأولى، وكان الخياط هو ابن خالتي وكانت البذلة مصنوعة من جبّة كانت لأبي. ما كان الطلاّب يعرفون الأناقة ولا الوقوف أمام المرايا لتسريح الشعر وعقد العقدة، لأنهم كانوا يعلمون أنهم يقصدون مدارس لتحصيل العلم لا نوادي لعرض الأزياء. بل إني لم أرَ أمي ترشّ