للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ألمه لفقدكما، وإن رأى ما هو أشدّ عليه وأقسى. إنه يدعو لكما، يسأل الله لكما الرحمة كما ربّيتماه صغيراً.

ولكن أنىّ لك الوصول وما وصفت لك الطريق ولا دلَلتُك على المكان؟ إذا مررت بشارع بغداد العظيم فوصلت إلى الدَّحْداح (١)، ورأيت الجدار العالي والباب الجديد فادخله تصل إلى المكان المقصود. ولكن لا، دعه فهذا ليس من عالَمي، إني أريد أن تصل إلى العالَم الذي كان لي، الذي عرفته وأحببته وإن طال به عهدي، لا إلى عالَم جَدَّ بعدي. اذهب إلى قلب دمشق. أليس لكل بلد قلب (سنتر) تُنْصَب اللوحات في الطرق لتدلّ عليه وترشد إليه؟

إن قلب دمشق هو الأموي، مهما تتّسع وتمتدّ فهذا قلبها. وقلب مكة الحرم، وقلب القاهرة الأزهر، وقلب الرياض الديرة والمسجد الكبير. فاذهب إلى الأموي، قد يطول عليك الطريق ولكنك ترى وأنت ماشٍ جوانب من دمشق القديمة، عاصمة الإسلام الثانية. دمشق الأخلاف من بني أمية والملوك من آل أيوب، دمشق أقدم المدن المسكونة في الأرض كلها وأول البلاد يقظة وتحرراً واستقلالاً في أرض العرب.

إنك لن تجد من ملامح دمشق الماضي إلا القليل، ويا ليتها


(١) هي مقبرة الدحداح التي دُفنت فيها أم جدّي وفيها دُفن أبوه. واقرأ مع هذا الفصل مقالة «من دموع القلب» في كتاب «من حديث النفس» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>