نفسي عليه ألف مرة وكل مرة أجدني على صواب، وأنا أفكر فيه الآن بعد بضع وخمسين سنة فأرى أني لم أندم عليه. كان حزني على أمي أكبر من حزنهما، ولكني كنت أنظر بعينها أحاول أن أفكّر تفكيرها. هل كانت ترضى لي أن أوافق عمّتي وخالتي وأن أُرضي الناس على حساب أولادها؟ أن أجدّد لهم الأحزان كل ساعة؟ أن أذكّرهم المصاب كلما أوشكوا أن ينسوه أو يَسلوه؟ ماذا ينفعني رضا الناس وماذا يضرّني سخطهم؟
لقد فعلت ما لم يفعله (فيما أعلم) أحدٌ قبلي وما سمعت اليوم أنه فعله أحد بعدي. وقفت منهما موقف حزم لم تكونا تستطيعان ولا مئة من أمثالهما زحزحتي عنه أصبعاً، فكّرت وقرّرت وأسمعتهما أعجب قرار. قلت لهما: أنا مضطرّ أن آخذ إخوتي وأن أغلق باب الدار بالمفتاح وأحمل المفتاح معي، ونلتقي فيما بعد.
تصوّروا الذي كان معي. لقد صرختا وولولتا وجمعتا عليّ الجيران، ولكن كل هذا «كلام»، فما هو «الفعل» الذي تقدران عليه؟ صفر؛ لا شيء. إنه مثل موقفنا مع اليهود وغير اليهود:«أوسَعتُهُ شَتماً وأَوْدى بالإبِلْ». وأخرجتهما من الدار وأخذت إخوتي وأغلقت الباب وحملت معي المفتاح.
فيا ربِّ عفوك فأنت تعلم كيف كانت حالي وماذا كان مقصدي، ويا أمي سامحيني، فما فعلت هذا إلاّ رأفة بأولادك وحباً بهم وخوفاً عليهم. لم أستطع أن أجعلهم يتجرعون الآلام قطرة قطرة ليقول الناس إننا أدّينا «مراسم الحزن». لم أقدر أن