هذا ما كانت تريده مني عمّتي وخالتي. أفئن فقدت أمي فهل أفقد معها ديني وعقلي ورجولتي؟ لا. وقلت لخالتي وعمّتي: لا!
إن من العلماء من كان يواجِه بكلمة الحقّ الملوك والأمراء ويصبر على مايلقى منهم من ضروب الإيذاء، وهذا صعب، ولكن أصعب منه أن تجابه بها العوام، وأصعب منهما أن تصرف النساء عمّا توجبه العادات، لا سيما إن كان لهن عليك حقّ القرابة وفضل السنّ. وقد عرفتم ممّا سبق شدة خالتي وصرامتها، وستعرفون ممّا يأتي لسان عمّتي وفصاحتها ومحفوظها من الأمثال ومن بليغ التقريع. ولكني مع ذلك قلتها. قلت: لا.
وبدأت المعزوفة المعروفة، «مونولوج» له أول وليس له آخر من نوع «الهارموني»: خالتي بصوتها الواطي الثخين (الكونترالتو)، وعمّتي بالصوت العالي الثاقب (السوبرانو)، تصرخان معاً: ما يصير أبداً، هذا شيء ما يصير! أمك ما كانت رخيصة. هل هي أقلّ من فلانة وفلانة؟ لقد عُمل لهما عزاء تحدّث به الناس. أفتبخل عليها بمثله؟ ماذا يقول عنها الناس؟ أنت شابّ لا تعرف هذه الأمور. وقالت عمّتي: استحِ أنا أكبر من أبيك. وقالت خالتي: أنا أرضعت أمك.
وحسبتا أن هذا يخيفني، ولكني لم أخَفْ. أنا من صغري إلى اليوم لا أبالي بعادات الناس إن لم يقبلها عقلي ولم يوجبها عليّ ديني، ولا أجعل رأي الناس فيّ دستور سلوكي.
أتساءل الآن: ما الذي دفعني إلى هذا الموقف؟ لقد حاسبت