للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحفل بالمخالفات من صباحية الرجال. يجتمع النساء من أهل الميت، القريبات منه يلبسن السواد ومن كانت أبعد اكتفت بالألوان القاتمة. ولا يجيز ذلك الدينُ إلا للزوجة. وتُصَفّ الكراسي حتى تملأ المكان، يقعدن عليها على ترتيب قرب الواحدة من الميت (أو الميتة)، وربما وقع النزاع والقتال أحياناً على الكرسي الواحد، ينسين الفجيعة وتقول الواحدة: لماذا تقعد فلانة فوقي وأنا للميت كذا وكذا؟ تبيّن قرابتها منه. والتي لا تُدعى من القريبات تغضب. هذا كله «وراء الكواليس»! ويتركن كرسيين أو ثلاثة فقط للمعزّيات، ثم «يُرفَع الستار» وتضع كل واحدة منهن من مظاهر الحزن على وجهها بمقدار قرابتها من الميت، ومنهن من تمسك بالمنديل تعصر عينيها وتمسح دمعها الذي لم تنزل منه قطرة. ويبدأ «التمثيل»، فتدخل المعزّيات مَثنى مَثنى أو ثُلاث ثُلاث، يدخلن صامتات ويخرجن صامتات، لا سلام ولا كلام، يجلسن دقائق معدودة لكنها تكفي «لأداء الدور». وأهل الميت يلاحظن بأطراف العيون، حتى إذا انتهت «الرواية» بدأن بانتقاد فلانة كيف دخلت وعِلاّنة كيف قعدت والثالثة ما أدري ماذا فعلت ... والمعزّيات إذا خرجن شرعن في انتقاد النساء من أهل الميت واحدة واحدة.

ثم إذا كان ثالث ثلاثة لموت الميت كانت مراسم أخرى، ويوم الخميس الأول، ويوم الأربعين، ثم «السّنَوية»، ثم ما قال الشاعر:

إلى الحَولِ ثمّ اسمُ السلامِ عليكُما ... ومَن يبكِ حَولاً كاملاً فقدِ اعتذرْ

<<  <  ج: ص:  >  >>