للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت الشام أرض الخيرات وكانت تسمى قديماً «أنبار روما»، فأين ذهب قمحها حتى صرنا نطلب الخبز المخلوط بالشعير وبالذرة وبأشياء لا تبلغ قدر الذرة ولا الشعير فلا نصل إليه؟ كان عهدنا بالخبز معروضاً بأثمان لا يتصوّرها القارئ اليوم من شدة الرخص، وكان منه المشروح والتنّوري وخبز الصاج والمصنوع من خالص القمح والمعمول من الدقيق الأبيض المنخول ... فأين ذهب هذا كله؟

ذهب ببعضه الجراد، وبباقيه حلفاؤنا (بل حلفاء حكّامنا الاتحاديين) من الألمان.

ثم خلت الشام إلا من الشيوخ والنساء والأطفال، أما الشبّان فقد ساقوهم (مشاة على أقدامهم) إلى حرب ترعة السويس أولاً، التي عدنا منها بالهزيمة، وإلى معركة «جناق قلعة» لمحاربة أعداء الألمان.

وكان الضابط الذي يتعقب الفُرّار يلبس لبّادة، لذلك يدعونه «أبو لبادة»، وإذا رأوه نادوا «عباية» ليهرب من ليس معه وثيقة إجازة من الجندية. وكان كلما أبصر شاباً أمسك به أعوانه وقال له: نَرْدِه وثيقة؟ أي أين وثيقتك؟ فإن لم يجدها جرّه إلى «السُّويقات»، في البناءين القائمَين إلى الآن في سوق صاروجا، حيث فتح مرة الشيخ أحمد كفتارو «مدرسة الأنصار».

ثم رأينا الناس -ونحن في طريقنا إلى المدرسة- ينبشون أكوام القمامة لعلهم يجدون فيها بقايا طعام. وعزّ السكّر حتى صارت الأوقية (مئتا غرام) بريال مجيدي، وقد كان المجيدي

<<  <  ج: ص:  >  >>