للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاطفتهم واهتمامهم، ولكن الأمر ليس كما ظنوا، وهو أبعد الناس عن ظنهم هذا. إنه أصلح مني مئة مرة وأحرص على العبادة، ثم إنه -على زهده وعبادته- ذكي واسع الاطّلاع، شهادته الجامعية في الفيزياء وكان من أقدر مدرّسيها في الشام. وهو داعٍ إلى الله على إلمام تامّ بعلوم الإسلام والتاريخ والأخبار، وهو كاتب مؤلّف يُحسن نَظْمَ الشعر، قَلّ مَن له مثل ثقافته. ولئن أساء إليّ فما كنت لأسيء أنا إلى نفسي فأظلمه وأبخسه حقه، ولعل له عند نفسه عذراً فيما فعله بي، فما كان ليُقدِم على محرّم إلا بتأويل. ولكن التأويل يُخطئ ويصيب، سامحه الله وغفر لي أن شكوته للناس (١).


(١) لو أن أمر هذا الكتاب رُدّ إليّ لحذفت هذا التعليق والذي استجرّه هذا التعليق ممّا سبق من كلام في هذا الموضوع، لكنني لا أملك أن أنقص ممّا كتبه جدي حرفاً ولا أن أبدل كلمة بأخرى، لا أملك إلا أن أصحح خطأ مما يخطئه الطابعون أو أوضّح (في مثل هذه الحواشي) غوامضَ قد يجهلها عامة القراء. لذلك لم أصنع ما كنت أحب، ولكنني أبحتُ لنفسي أن أوضح المسألة لئلاّ يشتطّ قومٌ من القرّاء فيذهبوا في تعليل المسألة ذات اليمين وذات الشمال.
وخلاصة الأمر أن جدي -كما علمتم- قد كفل إخوته بعد وفاة أبيهم وأمهم ومنحهم كل ما يقدر مثله على منحه، وكان سعيد أصغرَ الإخوة، سنّه لمّا مات أبوه ثلاثة أشهر، فصار أقربَ إلى الولد لجدّي منه إلى الأخ، وأولاه من الرعاية والعناية ما مرّ بكم بعضُ خبره فيما سبق من حلقات. ونشأ الشيخ سعيد على الدين والأدب والعلم حتى بلغ من الصفات ما وصفه بها جدي في هذه الصفحة من ذكرياته، وأخذ نفسه بالشدّة وحملها على المَكاره حتى صار من صنف أولئك=

<<  <  ج: ص:  >  >>