للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه رسالة من «قارئ». وكان صديقنا الأستاذ الكبير


= الزهّاد العُبّاد الذين نقرأ عنهم في «صفة الصفوة» وأمثاله من الكتب. والصلابةُ من صفاته، فإذا رأى رأياً في مسألة كاد يعجز عن تغيير رأيه فيها أهلُ الأرض ولو اجتمعوا كلهم عليه. وكان له في الرائي (التلفزيون) رأيٌ من أول يوم وصل فيه الرائي إلى بلادنا، وهو أنه من المنكَرات المحرَّمات، لا يجوز اقتناؤه ولا يجوز حضور مجلسه ولا النظر إليه، بل ولا يجوز دخول البيت الذي يوجد فيه.
وكان علي الطنطاوي متوجّساً من الرائي ولكنه لم يحرّمه، وستجدون فيما يأتي من الذكريات -في أخبار الوحدة والانفصال- أنه تردد حين دُعي لإلقاء أول حديث فيه ألقاه في حياته قَط، قال: "لمّا عرضوا عليّ أن أتكلم في الرائي ترددت وخشيت أن يكون ظهوري فيه دافعاً بعضَ الناس إلى اقتنائه، وربما رأوا فيه ما يضرهم فأكون أنا السبب في ذلك". لكنه أقدم بعد ذلك على إذاعة أحاديث في الرائي وأقدم على اقتنائه، فعندئذ رفض أخوه الشيخ سعيد دخولَ بيته لأنه لا يدخل بيتاً فيه جهاز الرائي.
وتكرر هذا الأمر في المملكة لمّا جاءها علي الطنطاوي ثم أخوه سعيد؛ لم يكن في بيت جدي تلفزيون فكان يزوره، فلما اقتناه انقطع عن زيارته، فلم يزُرْه قطّ حتى حين قُتلت خالتي بنان رحمها الله. واستمر على ذلك سنين طِوالاً؛ هو يأبى الزيارة إلاّ أن يُرفَع الجهاز، وجدي لا يصنع ذلك لأنه لم يكن من طبعه المداورة والمراوغة، ما رآه حقاً صنعه لا يبالي به كبيراً ولا صغيراً، فكيف يداري أخاً له هو منه بمنزلة الولد وما كان ليداري الكبير والوزير؟ فانقطع ما بينهما سنين وسنين، حتى كانت أخريات أيام جدي -رحمه الله- وقد تتابعت عليه نوبات المرض ودنا منه الأجل، فما زال بعض أصحاب الشيخ سعيد به حتى أقنعوه وحملوه على زيارة أخيه، فالتقى به في=

<<  <  ج: ص:  >  >>