للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جنونهم. وربما جاء أحد الشباب ممّن يعرف لسانهم فأوهمهم أن في الحارة أرواحاً وأشباحاً وجِناً وأنها ربما آذتهم، وكثير منهم يخاف الأشباح والأرواح، فكان الجندي يعصي ضابطه إن أمره بدخول الحارات، يرضى بالعقوبة لأنها أهون عنده من أذى الشبح. وكثير من الأوربيين يخشون الأشباح كما يخاف الجنَّ عمومُ المسلمين.

أما حقيقة الأمر فهي أن من البيوت الكبيرة ما له بابان: باب من هذه الحارة وباب آخر إلى حارة في الحيّ المجاور، وبين البابين عشرة أمتار من داخل الدار، ولكن مَن يدور في الطرق لا يصل إليه إلا بعد سير عشر دقائق. وكثيراً ما يكون الباب الثاني في فجوة أو في وسط غرفة فلا يراه إلا من دقّق وأمعن في التفتيش. منها بيت الشيخ هاشم الخطيب رحمه الله، له باب من الخَيْضَرية وباب من زقاق البرغل، وبينهما مشياً على الطريق أكثر من نصف كيل. ومثله بيت الشيخ صلاح الدين الزعيم رحمه الله، له باب على حارة السمّانة وباب من قفا الدور، وبينهما في الطريق أكثر من ذلك. ودعوني أفسّر لكم ما «قفا الدور»؛ إن دور دمشق ومنازلها كانت تنتهي بنهاية السمّانة من هنا، ما بعد ذلك إلا بساتين الشام، وكل بستان منها بمقدار عزبة في مصر، وكان الرجال يتراهنون مَن منهم يقدر أن يمرّ بقفا الدور ليلاً. هذا الذي صار اليوم شوارع وجادّات تتفرع من شارع بغداد تمشي فيها السيارات وتقوم على جانبيها العمارات، تسبح الليل بالأنوار فكأنها منها في نهار.

في سنة ١٩٣١ التي لا أزال أتحدث عنها لم يكن في

<<  <  ج: ص:  >  >>