للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه. يُشرِف من بعيد على بيوت الحارة، فإن رأى فيها غريباً سأله ماذا يريد، فإن كان آتياً لمصلحة مشروعة دلّه وساعده، وإن كان سيّئ المقصد نصحه ثم زجره، ثم أدّبه تأديباً يحرّم عليه أن يعود. وكانت لكبارهم كُنى عادية، فديب الشيخ مثلاً كنيته «أبوعبده»، فمَن ناداه أو خاطبه قال له: عمّي أبو عبده. ولمن هم دون الكبار كُنى ضخمة: أبو صيّاح، أبو عَجاج، أبو دعّاس، أبو سطّام، أبو كعّود، أبو كاسم ... وقد رأيتم في الرائي هنا في المسلسلات الشامية ثلاثة نماذج: «أبو عنتر» بشعره الطويل وكمّه القصير وكمّته (أي طاقيته) المائلة وعدوانه على الناس، هذا نموذج الزكرتي الأزعر أو مدّعي الزكرتية. و «أبو صياح»، وهو مثال الزكرتي العادي. وظهر مرة واحد كنيته في المسلسلة «أبوحديد»، بطربوشه وردائه الطويل ورزانته وهدوئه، مع شجاعته ومضائه، هذا هو نموذج الزكرتي الأصيل.

أما البستان الذي وُضعت القهوة في مدخله فهو قطعة من الغوطة "التي تضمّ دمشق بين ذراعيها كالأم التي تسهر ليلها كله تحرس وليدها، تُصغي إلى وشوشة السواقي الهائمة في مَرابع الفتنة وحديث الجداول المنتشية برحيق بردى، الراكضة أبداً نحو مطلع الشمس تخوض الليل إليها لتسبقها في طلوعها، وهمس «الزيتون» الشيخ الذي شيّبته أحداث الدهر فطفق يفكّر فيما رأى في حياته الطويلة وما سمع ويتلو على نفسه نتاج حكمته، وتصفيق الحور الطروب لغناء الطيور على الأغصان، ألهاه عبث الشباب عن التفكّر والتأمل فقضى العمر مائساً عجباً وتيهاً، مائلاً على أكتاف السواقي خاطراً على جنبات المسارب، يغازل الغيد

<<  <  ج: ص:  >  >>