للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسان من بنات المشمش والرمان، يميّله إليها الهوى والهواء، يريد في الربيع أن يقطف زهرة من خدّها أو ثمرة من ثغرها، ثم يرتدّ عنها يخاف أن تلمحه عيون الجوز الشواخص. والجوز ملك الغوطة بجلاله وكبريائه، جلال ملك تحت تاجه وعاهل فوق عرشه (١).

وكانت القهوة مجلساً لشيوخ الحيّ يجلسون فيه، يتحدثون ويسمرون، فإذا حلّ وقت الصلاة كان فيها (كما كان في المقاهي الكبار في شارع بغداد) مَن يؤذّن ومن يؤمّ الناس، وقد يجتمع وراء الإمام في مقهى اللونابارك وفي المقهى الذي يقابله والذي نسيت اسمه مئتان وأكثر من المصلّين. وكان أبو عبده -رحمه الله- يسمح لنا أن نعقد اجتماعاتنا (أي اجتماعات لجان الطلاّب التي كنت رئيسها) في قهوته، نُلقي الخطب ونرسم الخطط، ونعد الإضرابات ونهيّئ المظاهرات. وكنا مرة في أحد هذه الاجتماعات فجاءت «الكَبْسة» (٢) تفاجئنا. وكان يقودها رقيب في الشرطة (أو صاحب رتبة قريبة منها) هو أبو عَجاج الخطيب، فأخّر مَن معه وعجّل إليّ فناداني: علي أفندي، علي أفندي. قلت: ماذا تريد؟ فأشار إليّ ألاّ أرفع صوتي وأن أسرع إليه، فأسرّ إليّ قائلاً: جئتكم على رغمي ولم يكن لديّ وقت لأنذركم، فتفرّقوا واجلسوا هادئين، وإذا شتمتُ أو أغلظت القول فلا «تَزعلوا». أنا معكم كما تعرفون ولكني مأمور.


(١) ما بين الأقواس من مقالة لي نشرت في «الرسالة» سنة ١٩٤٥، وهي في كتابي «دمشق».
(٢) لا التي تأكلونها هنا رزاً ولحماً، بل الكبسة جند الحكومة أو الشرطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>