الوقفة إعادة كريمة ماجدة لموقف المسلمين الأوّلين، يوم نازلوا الدولتين الكبريَين في عالم الأمس في اليرموك والقادسية؟
إن الإسلام صبّ البطولة صباً في أعصاب المسلمين وأجراها في دمائهم، فمهما حاقت بهم الشدائد وتوالت المحن فلن تتبدل طبيعة البطولة فيهم، والعاقبة لهم إن كانوا مع الله لأن الله سيكون حينئذٍ معهم، ومَن كان الله معه لا يغلبه مخلوق.
أتذكرون يوم عادوا من معركة الأحزاب وقد نفدت منهم آخر قطرة من الطاقة البشرية، استنفدها ما قاسوا من الشدة والامتحان في ذلك اليوم، حتى لم يبقَ لأحدهم أمنيّة إلا أن يأكل لُقيمات ثم يطرح نفسه على الأرض يستسلم إلى نومة مريحة. فجاءهم الأمر من القائد العام، من الذي لا ينطق عن الهوى، من الذي يأتيه «البريد الخاصّ» من السماء. جاء الأمر بالمسير إلى الناقضي العهد، إلى حثالة البشر وزبالة بني آدم، إلى اليهود، إلى بني قريظة. أما مسحوا النوم من عيونهم واستلّوا بعزائمهم (بل بإيمانهم) التعب من أجسادهم وامتثلوا الأمر وساروا؟
لقد دُعوا بعدها إلى الجهاد، إلى التضحية، إلى بذل الروح مئة مرة، فما تقاعسوا ولا تردّدوا. لقد لبّوا دوماً وما أبوا يوماً، ولا يزالون حاضرين ليلبّوا إن دُعوا من جديد. على أن يدعوهم الداعي بلسانهم لا بلسان غريب عنهم لا يفهمونه ولا يعرفونه؛ يدعوهم باسم الدين جهاداً في سبيل الله وإعلاءً لكلمة الله، لا باسم الوطنية ولا القومية ولا التقدمية. إن الله يعطي الشهيد الذي يموت في سبيله جنة عرضها السماوات والأرض، يعطيه حياة