للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من هو ذكي الجنان طلق اللسان، قوي الشخصية له منزلة اجتماعية، لو أجهد نفسه قليلاً لكان من أحسن الأساتذة، ولكنه كسلان لا يُعِدّ لدرسه ولا يحفل به، كأنْ ليس له ضمير يحاسبه؛ هو أحد أركان الكتلة الوطنية وأحد المحامين الخطباء، الأستاذ فايز الخوري، الأخ الأصغر لفارس بك، وكان يدرّس الحقوق الرومانية.

وأستاذ نحبه لنُبْل نفسه وحُسْن خلقه، ولكنا لم نجد عنده علماً بل صَفّ كلام وتزجية ساعات، فهو أقرب إلى الجهل، أو هو جاهل. وآخَر لم يكن جاهلاً فقط بل عبقرياً في الجهل (إن كان في الجهل عبقريات!)، يدرّسنا الاقتصاد في كتاب كان في الأصل من تأليف شارل جيد المشهور، ترجمه جاويد باشا الوزير الاتحادي المشهور أيضاً (وهو يهودي الأصل من طائفة الدونمة واسمه دافيد (أي داود)، فحوّله، أو حوّله له أبوه جاويد ليكون كأسماء الأتراك، فيكون أبلغ في المكر وأشد في العداوة للإسلام). ثم كان الأستاذ الذي يدرّسه كلما وجد في الأساتذة أو الطلاّب مَن له قلم بليغ سأله أن يعود على عبارته بالتنقيح والتصحيح حتى صار كتاب أدب! ولم يكن يستر جهله بصمته بل يكشفه بلسانه، فيُضيع أولاً ربعَ ساعة بقراءة التفقد، يرفع النظارات عن عينيه حتى يقرأ الاسم ثم يعيدها حتى يبصر الطالب المسمّى، ثم يأمر أحد الطلاّب فيقرأ الفصل من الكتاب فيضيع ذلك ثلث ساعة، ثم يشرح. وهاكم مثالاً ممّا بقي في ذهني من شرحه: يمرّ في الكتاب ذكر السلسلة العددية والهندسية فيقول: أتدرون ما السلسلة العددية وما الهندسية؟ فنقول (للتسلية بشرحه

<<  <  ج: ص:  >  >>