للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتحقيق مصلحتنا. حرب كان قادتها من غيرنا، لا أقصد أنهم من غير العرب فإن الله قال: {إنّما المؤمنونَ إخوةٌ} لم يقُل: «إنما العرب»؛ بل لأنّي أشكّ في صدق إسلام أكثر أولئك القادة من الاتحاديين، ولا أشكّ أن أيدي غيرنا هي التي كانت تحرّكهم.

ولما انجلى غبار المعركة ووضح الأمر عرفنا حقيقتهم مما صنع أتاتورك، وقد كان واحداً منهم. وليس الضمير راجعاً إلى الأتراك، لا والله؛ فالشعب التركي ما عدل بالإسلام شيئاً من يوم دخل فيه مختاراً، والسلاطين الأوّلون كانوا من أحاسن الملوك، فتحوا للإسلام أوربا. ولو مدّ الله في عمر محمد الفاتح (١)، ولو استمر الخير في أحفاده، ولو لم تفتنهم وتُعْشِ أبصارَهم بهارجُ هذه الحضارة لكان لهم تاريخ آخر.

* * *

واستمرّت الحرب. وكان الكبار لا يعرفون من أخبارها شيئاً، فكيف بنا نحن الصغار؟ ولم نكُن نقرأ الجرائد لأنها لم تكُن عندنا جرائد كجرائد اليوم، ولم نكُن نسمع أخبار الإذاعات لأنها لم تكُن قد اختُرعت الإذاعات؛ كانت حياتنا قبل الحرب كالبِرْكة الساكنة، وإن كانت مياهها آسنة. كنا في عزلة عن الدنيا: عزلة مادية وفكرية، أضعنا ثمرات حضارتنا الأولى التي قَبست منها أوربا في عصر نهضتها، ولم نأخذ إلا القليل من نتاج الحضارة الجديدة.

ولكن كانت في حياتنا فضائل وكانت لها مزايا، إن فتحتُ


(١) اقرؤوا سيرته الجامعة التي ألّفها سالم الرشيدي وكتبت مقدّمتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>