للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالمسلمين وأن ندعو بدعوة الجاهليّين، ندَع كلام ربّ العالمين: {إنّما المُؤمنونَ إخوةٌ} فننكر أُخوّة الإيمان ونتمسّك برابطة اللسان، فيكون أبو لهب وأبو جهل أقربَ إلينا من بلال وسلمان. كلاّ، ولا كرامة! قلتها من أول حياتي وأقولها الآن.

أفتدرون ماذا كان موقفي من هذه الحملة وماذا كان ردّي عليها؟ كان بياعو الصحف يعلّقونها على جدار القصر العدلي، وكنت أمرّ بها وأنا أدخل إلى المحكمة فأرى عناوينها وأنا ماشٍ: «الطنطاوي كذا والطنطاوي كذا»، فلا والله ما مددت يدي إلى واحدة منها ولا قرأتها ولم أعرف إلى هذه الساعة ما الذي كان فيها. حلفت لكم لتصدّقوني، وكنت أصل إلى محلّي وأباشر عملي وما حرّك هذا كله شعرةً في بدني، لأني تعوّدتُه فما عدت أشعر به!

أما الذي قلت عنه هذا الكلام، فأثار عليّ أصحاب الأقلام من المسلمين فرموني بكل جارحة من التهم وكل قارص من القول، وهو أستاذنا فارس الخوري، فقد قابلته في الطريق فحاولت أن أقول له شيئاً، فسبقني فقال لي (بالحرف الواحد): لا عليك؛ لقد جهرتَ بحكم دينك وهذا ما أُكْبره فيك، وجعلتَني أقرب النصارى إليكم وهذا ما أشكرك عليه!

وكان ممّن حضرت عليه في المدرسة وفي الجامعة أساتذة من النصارى، ودرست العبرية في دار العلوم في مصر على الأستاذ اليهودي ولفنسون، فكنت أقدّر علم العالِم منهم لا أنكر فضله ولا أبخسه حقّه، وأبرّ منهم من لم يقاتلنا قومُه في الدين ولم يخرجونا من ديارنا وأقسط إليهم، ولكنْ لا أجامل واحداً منهم أو

<<  <  ج: ص:  >  >>