وكنت أُدعى الشيخ عليّ من يوم كنت في آخر الثانوية. وأدخلني فرأيت المنصب لم يبدّل منه شيئاً؛ إنما يبدّل المنصبُ من يكون أقلّ منه فيكثر به، لا من كان في نفسه أكبر من المناصب كلها. وقديما قيل: السنبلة المملوءة بالحَب تحني رأسها، أما الفارغة فترفعه.
ودخلت عليه مكتبه مرّات لا أحصيها وهو رئيس الوزراء، فما وجدت إلاّ أستاذنا فارس الخوري، الأستاذ العالِم الأديب الحاضر الجواب الصائد النكتة. وكنت أظنّ أني سأجد دولة الرئيس فارس بك الذي لا يُكلَّم إلاّ بعريضة ولا يخاطَب إلاّ بالمُصطلَح (أي البروتوكول الذي كان يُدعى المصطلح).
وهو واحد من أعضاء «مجلس الشيوخ». لا أعني المجلس الذي يكون حيال مجلس النواب، فليس عندنا في سوريا مجلس شيوخ أو مجلس أعيان كما يُدعى في بعض البلدان، بل هو مجلس غير رسمي كان يجتمع فيه بعض شيوخ السن الذين تعتزّ بهم دمشق، والذين إن فاخرت إنكلترا بتشرشل في السياسة وعمله مثل عمل الشباب وهو في سن الشيخوخة أو ببرنارد شو في الأدب فإن كل واحد من هؤلاء كان لنا تشرشل وشو؛ أكثرهم كان يحضر هذا المجلس وقلّة منهم لم تكُن تحضره، لا نفخر بأنهم لبثوا شباباً وهم شيوخ، بل بما جمع الله لهم من العلم والعقل والفضل (وسأتكلم عنهم إن مدّ الله في الأجل وزاد في القوة).