للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أم للشاعر الفاسق المفسد النازل؟ لقد أنكرنا على أستاذنا شفيق جبري لأنه قال (قولاً) إن الأدب أُلهية شريفة، فكيف لا ننكر على من جعله (فعلاً) أُلهية ولكنها ليست شريفة ولا عفيفة ولا نظيفة؟ على من يلهو بالغافلات من بنات الناس يستبيح منهنّ مواطن الجمال الظاهر والخفيّ، ثم لا يجد في نفسه حياء يحمله على أن يسكت، ولا يلقى في الناس قوّة تضطرّه أن يكتم، فلا يكفيه أنْ جنى حتى يصف جناياته مفاخراً بها ذاكراً تفاصيلها في شعر جميل، فيفتن الناسَ جمالُ شعره وتعمى عيونهم عمّا صنع بأعراض بناتهم! ثم يأتي مَن فقد تقوى المؤمن وغيرة العربي ونخوة الرجل، فيثني عليه ويدافع عنه، ويشتم من أجله من يقول له كلمة الحقّ ويعلن فيه حكم الله!

فما الذي أصابنا حتى اختلطت الأحكام واضطربت الموازين، وهبط العالي كما يهبط الذهب إلى قعر الماء، وعلا الحقير كما تعلو البعرة إلى السطح؟ أهذا هو المسخ الذي كتبه الله على من كان قبلنا؟

إنه ما خلا عصر من شعراء أوتوا الفنّ الجميل وحُرموا الخلق النبيل، أُعطُوا ألسنة تحسن النطق ولم يُعطَوا قلوباً تخفق بحب الحقّ، كان بشّارٌ شاعراً فاسقاً وقحاً لا يستحي أن يعلن ما فعل، وكان أبو نواس أفسق وأوقح، ولكن ما عرف تاريخ الأدب العربي من غاص في حمأة الرذيلة وغطس برأسه في أنجاسها، وغمس معه من بنات الناس مَن لانت معه وتبعته، ثم خرج بالأقذار على ثيابه، بالرائحة تفوح من أطرافه، ليصف ما جرى له بشعر جميل لا شك في جماله، رائع لا مراء في روعته، ولكنه نجس نجس! لم

<<  <  ج: ص:  >  >>