للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذهبت لتسلّم عملي في سَلَمية (١). ما ذهبت بنفسية موظف جديد يتهيب العمل ويتهيأ لمقابلة الرؤساء، بل بنفسية شابّ معتزّ بنفسه. ولو صحّفتم الكلمة وبدلتم مواقع النقط على الحروف لما ابتعدتم عن الواقع، فلقد كنت مغتراً بعض الغرور، وبين الاعتزاز والاغترار فرق يسير. وكيف لا يصيب الغرور شاباً صار له اسم في البلد وزعامة في الشباب، ووزن في الأدب وذِكْر في الخطباء ومشاركة في التأليف، ومعرفة بكبار رجال السياسة والعلم والأدب، وهو لم يجاوز الرابعة والعشرين؟

وكانت هذه هي المرة الثانية التي أخرج فيها من دمشق. ففي الأولى (أي قبل أربع سنين) كانت سفرتي إلى مصر وقد عرفتم خبرها، وهذه الثانية. ذهبت في الأولى بالقطار إلى حيفا وركبت في الثانية السيارة إلى حمص: تخرج من دمشق فتمشي ثلاثة عشر كيلاً في طرف الغوطة، إلى دوما التي كانت بلدة الأعناب فأصاب كرومها (التي كانت تمتد أكيالاً) آفةٌ ذهبت بها، تمر في الطريق إليها على حَرَسْتا بلد الزيتون وفيها معاصره التي تعصره زيتاً لا نظير له، وقد اتصلَت دمشق الآن بحَرَسْتا (وأظنّ اسم حرستا سريانياً معناه المحروسة)، ثم بدوما، ثم جاوزت دوما إلى القصير (والقصير مثل شَهار هنا والعصفورية في بيروت والعباسية


(١) اسمها الشائع بين الناس هو السلميّة (بالتعريف وبتشديد الياء)، والصحيح فيه أنه بلا تعريف وبميم ساكنة بعدها ياء مفتوحة: «سَلَمْيَة»، كذا وردت في معجم ياقوت وفي بيت لأبي فراس:
عَبرْنَ بماسحٍ والليلُ طِفلٌ ... وجئنَ إلى سَلَمْيةَ حين شابا
... وفي بيت للمتنبي صدره: «تثير على سَلَمْيَةَ مُسْبَطِرّا» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>