للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأني لم ألقَه بعد تلك الأيام.

بقيت مع التلاميذ في «الصفّ»، فدخل عليّ هو وقائم المقام ومن معه من كبار الموظفين، فهممت بالسلام عليه فأشار إليّ أن أكمل الدرس، ففرّج الله بذلك عني. وكان الدرس (أو جعلته أنا) عن أسباب الثورة الفرنسية، فتكلمت عن حقوق الشعب وعن حرّيته، وعمّن تعدّى على حقوقه واستلب منه حرّيته، وأن الثورة كانت هي الجواب الطبيعي لهذا الظلم وهذا العدوان. وقلت كلاماً لا يختلف إلا قليلاً عمّا كنا نقوله في المظاهرات، ولكنْ لم أخرج فيه عن المنهج المقرّر. وكانوا يترجمون له همساً ما كنت أقول، وطال وقوفه ولكنه لم يقُل شيئاً، وأشار إليّ أن أستمرّ وخرج.

وكان لهذا الموقف أثر في البلد تحدّث به الناس وبالغوا فيه، وجاؤوا بما لم أقُله يترجمون به عمّا تُكِنّه نفوسهم من حب الحرّية وكره الاستعمار، ونسبوا إليّ بطولة ما كنت صاحبها وبلاغة ما نطقت بها. وخاف إخواني أن ينالني مكروه فلم يكن عليّ شيء والحمد لله.

* * *

ولما رأى المدير أن نزولي الفندق يُتعِبني وأني أبَيت أن أنزل بضيافته في داره اقترح (أو اقترحت أنا، لم أعُد أذكر) أن أنام في المدرسة، فأعدّ لي سريراً ونضداً وما أصنع به الشاي، وبتّ فيها، وكان البوّاب ينام فيها في غرفة عند الباب.

لمّا سكن الليل وأحسست بالصمت الكامل جلت حول المدرسة، وكانت ليلة حلوة لا حَرّ فيها ولا برد، وكانت السماء

<<  <  ج: ص:  >  >>