للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يدَعني فودّعني وانصرف. واستأذن البوابُ أن يذهب ولكن بعد أن أسمح له (!) أن يقوم بواجبه وألاّ أغضب من قيامه به، وكان «واجبه» أن يجمع أثاث المدرسة كله في غرفة كبيرة، يغلقها ويمشي.

ذهب الجميع وبقيَت غرف خالية عارية في دنيا سكت فيها كل صوت، فلا تسمع إلاّ الصمت، وسكنَت كل حركة فلا ترى إلاّ الجمود، والصحراء على هيئتها وهيبتها، والبلد بعيد وأنا وحدي. ولقد عرفت الوحدة من قبل وظننت أني تعودت عليها، ولكني أدركت اليوم أني كنت مخطئاً وأنه ما وُصِف الإنسان بأنه «حيوان ناطق» إلاّ لصعوبة الصمت والوحدة عليه. قرأت مرةً قصّة روسية نسيت لمن هي، أن حوذياً يسوق عربة أجرة مات ولده وضاق صدره عن احتمال الألم، فهو يريد أن ينفّس عن نفسه بالكلام عنه وإلاّ انفجر كما ينفجر مِرجل الماء المغليّ إذا أحكمتَ سدّه، فركب معه راكب فبدأ يحدّثه عن ولده وهو يستمع إليه مجاملة له وشفقة عليه، حتى بلغ غايته فدفع الأجرة ونزل، وركب آخر فكانت حاله مثل الأول، وثالث ورابع وسابع وثامن، لا يستمع قصّتَه أحدٌ ولا يشاركه حمل أساه أحد، فمرّ من فوق الجسر فترك العربة وألقى نفسه في النهر!

* * *

قعدت أقرأ قصة، وكانت -لسوء اختياري- قصة «آلام فرتر» التي تجعل المبتهج مغموماً والضاحك باكياً، والتي تُذهِب هي وأخواتها (رفائيل، وبول وفرجيني، وغادة الكاميليا، ومانون

<<  <  ج: ص:  >  >>