للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليسكو، وماجدولين، وغرازبيللا، وجوسلان، والأجنحة المتكسرة لجبران ...) تُذهِب من الشابّ رجولته وتقتل مطامحه، وتحصر عالمه كله في فتاة واحدة يحدق إلى عينيها أو يجثو عند قدميها، لا يبتغي من الدنيا إلاّ عطفها ووصالها! على أنها (والحقّ أحقّ أن يُقال) أقلّ ضرراً من الأدب المكشوف والشعر الداعر، الذي يحول الشباب إلى قِطاط (١) في شهر شباط!

رميت القصة ولم أعُد أستطيع البقاء، ولو كان السفر ممكناً لسافرت، ولكن السيارة لا تمشي إلى حمص إلاّ مرة في اليوم ومشيها إلى حماة أقل، ولا بد من انتظار الغد. وكنت قد سمعت أن في البلد أقنية قديمة تُعَدّ بالعشرات محفورة من أيام الرومان وزاد فيها ووسّعها العرب، تمتدّ من جبال البلعاس إلى نهر العاصي، وأن قرب البلد على بُعد كيلين منها (أتكلم عن سنة ١٩٣٢) عيناً اسمها العين الزرقاء، وعلى أكَمة عندها قلعة قديمة وأنقاض برج عالٍ وبئر جافة عميقة، فقلت: أمشي إليها فأُمضي ساعات من هذا النهار الطويل الثقيل. ولولا الحياء للحقت المدير و «استأنفت» الحكم الذي أصدرتُه على نفسي بالسجن مع النفي.

وفي السلمية آثار كثيرة لم يكن قد جرى (يومئذٍ) التنقيب عنها، لا سيما في المقبرة الرومانية في مكان كان يُدعى «ظهر المُغْر» (٢)، وكان الناس يحملون منها قطعاً من الفخار والزجاج كانت يوماً جِراراً وكؤوساً. ولا يُطلَق اسم «الآثار» على ما مرّ


(١) جمع القط قطاط.
(٢) يريدون بالمغر المغارات، جمع مغارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>