للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد أن يصف لك فصلاً منها عرض عليك مشاهده ولخّص حواره وتسلسل مناظره ومقدرة ممثليه، منهم من يصف بعينيه فيريك الفصل كأنه «السينما الصامتة» التي كانت على أيامنا ونحن صغار، ومنهم مَن يصف بأذنيه فيُسمِعك الأصوات ويُبلغك الحوار، كأنك تسمع «الفصل» من الإذاعة، ومنهم من ينقلك إلى «السينما» فيُقعِدك في المقعد المريح في الشرفة المقابلة للوحة العرض، ترى وتسمع بعينيك وأذنيك لا بوصف الناقل، وتحكم بشعورك لا بشعور الناقد.

أما حافظ في مراثيه وفي وصفيّاته فإنه يُدخِلك فرقة التمثيل حتى تكون أنت ممّن يمثّل، ينطق ويتحرك لا يكتفي بأن يقرأ أو يسمع. اقرؤوا مرثيته سعداً، وأنا أروي ما أحفظ منها، لست أحفظها كلها وليس ديوانه قريباً مني لأرجع إليها. يُدخِلك النادي الذي سيخطب فيه سعد يوم كان سعد خطيب مصر، لا في براعة القول وحسن رصف الكلام، فإن خُطَبه إن قُرئت قراءة لم يدرك قارئُها براعتَها ولم يعلم فيمَ كان هذا التأثير لها. كان تأثيرها في بلاغتها، أعني البلاغة بمعناها عند أهلها وهو مطابقة الكلام لما تقتضيه الحال وأن يخاطب المرء الناس على مقدار عقولهم ويقول لهم ما يفهمونه حتى يؤثّر فيهم. وكذلك كان سعد: لمّا عاد من المنفى في جزيرة سيشيل كان ينتظره عند المحطة في ميدان باب الحديد جماهير تملأ الميدان، وكان أكثرهم من الفلاحين تركوا قُراهم وجاؤوا مصر لاستقباله، لأنه كان رمز الشعب وكان الناطق بلسانه المحامي عن حقوقه. وكان في الناس -يومئذ- من يضع الوزراء والكُبَراء فوق والفلاّحين تحت، فكانت البلاغة كل البلاغة

<<  <  ج: ص:  >  >>