للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إلى أن قلت): ألم يعرّج في شعره على العالَم الجديد، فيصف حال السوريين وراء البحار وكيف أقاموا لهم كياناً وبنوا لهم من المجد بنياناً، ولا عَلَم يجمعهم ولا أسطول يحميهم، ولا دولة تُعنى بهم:

بأرضِ كولُمْبَ أبطالٌ غطارِفةٌ ... أُسْدٌ جياعٌ إذا ما وُوثِبوا وثَبوا

لم يحمِهم علَمٌ فيها ولا عَددٌ ... سوى مضاءٍ تحامى وِردَهُ النُّوَبُ

أسطولُهم أملٌ في البحرِ مرتحِلٌ ... وجيشُهم عملٌ في البَرِّ مُغتربُ

ما عابهم أنهم في الأرضِ قد نُثروا ... فالشُّهْبُ مَنثورةٌ مُذْ كانتِ الشهُبُ

(أقول: وهذا الكلام وصف لأهل مصر الآن)

(إلى أن قلت): وهذا المجمع ماذا يصنع؟ أأقلّ من حفلة؟ حفلة تكون أمارة على حياته هو وهو حيّ ميت، لا أسفاً على موت حافظ وهو ميّت حيّ؟ أأقلّ من حفلة، وقد مرّ شهران على موت حافظ، ورثاه كل أديب له لسان وكل كاتب له قلم، وكان هو سيد مَن رثى فأجاد الرثاء، حتى تمنّى «الأمير» أن يكون قد مات قبله ليحظى بمرثيّة منه:

قد كنتُ أطمَعُ أن تقولَ رثائي ... يا منصِفَ الموتى من الأحياءِ

وإن كانت جملة «تقول رثائي» كالآجرّة المضعضَعة في الجدار لا تعرف الاستقرار، وما سمعنا من العرب إلاّ «قال في رثائه» أو «قال يرثيه»، وإن لم تكُن خطأً من شوقي، وما كان مثلي ليخطّئ مثلَ شوقي.

ولحافظ مَزيّة في مراثيه. إن الحياة مسرحية كبيرة، فمَن

<<  <  ج: ص:  >  >>