للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغداد والقاهرة وباريس ولندن، وقبل أن تشاد الأهرام ويُنحَت من الصخر وجه أبي الهول" (١) ففي أرضها من مدنيات مَن سلف طبقات تحت طبقات، والحضارة لها فيها جذور ممتدّة تحت الثرى وفروع باسقة في الهواء.

* * *

"وبردى؟ إنه سطر خطّته يد الله على صفحة هذا الكون ليقرأ فيه أولو البصائر فلسفة الحياة والموت، وروعة الماضي والمستقبل. واختصّ به العرب، فجمع فيه تاريخهم ببلاغة علوية معجزة.

والله الذي جعل الآية المعجزة في القرآن هو الذي جعلها في الأكوان، والله الذي أعجز أئمة البلاغة وأمراء البيان بسور من آيات وكلمات وحروف، هو الذي أعجز أرباب الفكر وأصحاب العقول بسور من بحار وأنهار وكهوف. وما «بَرَدى» إلاّ سورة من قرآن الكون أجراه في الأرض الذي أنزل القرآنَ من السماء، وما إعجاز بردى في أنه يجري، فكل الأنهار تجري، ولكن في أنه ينطق وأن في كل شبر فيه تاريخ حقبة من العصور وقصة أمة من الأمم: أمم وُلدَت في حِجْره ورضعت من لبانه، وَحَبَتْ بين يديه، ثم قويَت واشتدّت وبنت فأعلت ... وفتحت فأوغلت، ثم داخلها الغرور وحسبت أنها شاركت الله في ملكه، فظلمت وعتَت واستكبرت، فأخذها الله ببعض ما اكتسبت، فإذا تلك العظمة والجبروت


(١) هذه القطعة بين الأقواس من مقالة «دمشق» المنشورة في أول كتاب «دمشق، صور من جمالها وعبر من نضالها» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>