للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمَنيحة (ويدعونها اليوم المليحة، ويزعمون أن سعد بن عبادة مدفون فيها مع أنه مات في المدينة) وزَمَلكا ومَسرابا، وهي حديقة ورد يُزرَع فيها الورد الجوري الأحمر الذي لا نظير له في لونه ولا في عطره (والجوري منسوب في الأصل إلى مدينة قرب شيراز اسمها جور) وبَلاط (وكانت تُدعى بيت البلاط) وداريّا بلد العنب الفاخر ويُنسَب إليها أبو سليمان الداراني (١)، وقرى أُخَر ما كتبت هذا الفصل لإحصائها ولا لوصف جمالها وبهائها، ولا لرواية ما قيل فيها من الشعر ومن خرج منها من العلماء، إنما جاء ذكرها عرَضاً. وكبرى هذه القرى دُوما التي يسمّيها ياقوت «دومة»، وقد اتصلَت اليوم بدمشق، أما القرى القريبة منها (جوبَر وكفر سوسية والمِزّة والقَدَم والقابون) فقد أصبحَت أحياء في دمشق.

والطريق الذي كنت أسلكه كل يوم إلى سقبا ومنها لا يزيد طوله عن سبعة أكيال، أي ربع طول مدينة جدّة، والسير فيه يُنعِش النفس ويمتع البصر، ولكنه يخضّ البدن ويُقَضقض العظام، لأنه طريق وعر لا تمشي فيه السيارة مشياً بل ترقص رقصاً، ولكنه رقص بلا اتّساق وعلى غير إيقاع. أمّا متعته فلأنه يضطجع على بساط ممدود على هذه الأرض المبارَكة، على جانبَيه الأشجار صفوفاً وراء صفوف لا يدرك البصر آخرها، كأنها الجند قامت تحيّي القادمين، تظلّل حواشيه فروعُها المزدانة ببارع الزهر أو يانع الثمر، وتمرّ بها في السيارة متقدماً فتبصرها تمرّ بك هي


(١) قلت: وإليها تُنسَب عائلتنا؛ زعموا أن جداً لنا كان يسكن حي الميدان في دمشق تزوج امرأة من داريّا، فنَسَب أهلُ الميدان أولادَه منها إليها فقالوا: أبناء «الدّيْرانيّة»، فمشى الاسم، والله أعلم (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>