راجعة، كالراكب في القطار يرى المزارع والقرى تمشي ويرى نفسه قاعداً، وكالواقف في المصعد يبصر البيوت هي التي تنزل لا يشعر أنه هو الذي يصعد. والحركة والسكون من الأسرار التي نظنّ أننا كشفناها وما كشفناها، ولو لم يكن في الفضاء إلا نقطتان تتحركان فكيف تعرف أي النقطتين هي الثابتة وأيتهما المتحركة؟ كيف؟ إنك لا تميّز فيهما الحركة من السكون إلا إن كان أمامك نقطة ثالثة ثابتة تقيسهما بها وتنسبهما إليها، فالحركة والسكون أمران نسبيّان لا نعرف «ماهيّتهما» ولا ماهيّة المكان المطلَق ولا الزمان.
* * *
ولمّا بلغتُ سَقبا تركت السيارة ومشيت في مسالك بين البساتين، ثم في حارات بين البيوت، حتى بلغت ساحة صغيرة في طرق القرية. أمّا الساحة الكبرى فكان فيها السوق، ووسط السوق المسجد، وكانت المدرسة في هذه الساحة الصغيرة، وهي حسنة البناء رحبة الفناء، في غرفة منها قبر عالٍ يزعمون أنه قبر عبد الله بن سلام.
وعبد الله بن سلام مات في المدينة، ولكنك إن قلت هذا لهم كرهوه وغضبوا منه، كما يغضب أهل دمشق إن قلت لهم إن القبر القائم في الجامع الأموي في غرفة من الرخام بلغت الغاية في الإبداع وفوقها قبة ما رأيت قبة أجمل ولا أرشق منها، يغضبون إن قلت لهم إنه ليس قبر يحيى بن زكريا. ولمّا ألّفت كتابي عن «الجامع الأموي» رجعت إلى ما أعرف من كتب التاريخ وبعثت