للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فركب مُكرَهاً، وسرنا والطريق خال، فاعترضنا نهر صغير عليه جسر (أي كوبري، والكوبري بالتركية الجسر) فقال: أنزل وأمشي، قلت: لا، ابقَ راكباً. وكان الجسر خشبتين طويلتين عليهما خشبات صغار معترضة فوقها بعض فروع الشجر، فلما بلغت وسط الجسر اضطربَت يداي وملت به، فسقط في النهر وسقطت فوقه وسقطت الدراجة معنا!

ولم يكن النهر عميقاً ولكن كان نجساً، وكان مجراه طيناً منتناً. أما الدراجة فالتوى عمودها الفقري وانكسر مِقوَدها (أي ذراعاها)، وأما نحن فخرجنا على شرّ حال، وتركته يُلقي في سبّي «مُنولوجاً» طويلاً، لو كنت في غير هذه الحالة لأخذت قلماً وورقاً وكتبت الشتائم المبتكَرة التي نطق بها، ولا أدري من أين اقتبسها فهي أوسخ من كل ما قال شعراء الهجاء، بل أوسخ من النهر الذي سقطنا فيه، ولكن الحقّ هو أني كنت مستحقاً لها.

واستوقفنا سيارة مرّت بنا، فلما رأى سائقها ثيابنا ساقها وتركنا، وسيارة أخرى وثالثة ورابعة فلم يقف لنا أحد من سائقيها، فانتظرنا حتى حلّ الليل وأسدل ستاره، فمشينا مشياً حتى بلغنا دمشق فدخلناها من غير الشارع العامّ. ولما وصلت الدار وكانت فيها عمّتي (بعد وفاة أمي) أبت عليّ دخول الدار إلا إنْ نزعت هذه الثياب عني ثم مشيت رأساً إلى المطبخ لأغتسل في زاويته. ولم يكن في دارنا ولا في أكثر دور الشام حَمّام.

ولا تعجبوا، فلقد ذهبت سنة ١٩٧٠ إلى «بون» (في ألمانيا) والمدن المجاورة لها وزرت كثيراً من منازل الطلاّب العرب فيها،

<<  <  ج: ص:  >  >>