تسمعها أو تسمع بعضها لتحكم لها أو عليها؟ وأنا راضٍ بحكمك لأنك أستاذ في علوم العربية ولأنك قارئ جيد وناقد ذوّاق. قال: هات.
فهل يسمح القرّاء أن أعرض عليهم ما عرضت عليه ليروا ماذا كان يقول الطلاّب يومئذ، ويقرنوه بما يقول الشعراء (أعني بعض الشعراء الأساتذة) الآن؟ عددت أبيات القصيدة فوجدتها ستة وخمسين، عنوانها «الشاعر»، مطلعها:
خَلِّياهُ يَنُحْ على عَذَباتِهْ ... ويَصُغْ مِن دُموعِهِ آياتِهْ
ويُرتّلْ ألحانَه بخشوعٍ ... مُستمِدّاً من العُلا نَغَماتِه
ومنها:
ورواها فمُ الزمانِ بشجوٍ ... فحسِبنا بُناتِهِ من رُواتِهْ
كتبَ البؤسُ فوقَ خدّيهِ سَطراً ... تتراءى الأحزانُ في كلماتِهْ
أليس هذا وصف الشاعر: قلب عاشق، وعينان شجيّتان، وثمراتهما شعر يؤنس قلوب الناس؟
شاعرٌ صاغَهُ الإلهُ من البؤ ... سِ وأبدى الأسى على نظراتِهْ
وكذلك كان أنور لمّا قال هذه القصيدة. كان رقيق الجسد، حالم النظرات، حلو الحديث، يلبس حلّة قديمة ولكنها نظيفة، لا يبدلها لأنه لا يملك غيرها، قد حال لون حواشيها لكثرة ما تُنظَّف بالبنزين! مات أبوه وهو صغير، فتولّى أمرَه وأمرَ إخوته الصغار